مدينة الجديدة.. من قتل الأمريكي الملقب بالمستر جورج..؟؟
تنقلنا قضية ركن “من أرشيف الجريمة في المغرب”، لهذا العدد من موقع “معكم24” إلى عالم المثليين جنسيا، حيث غالبا ما يشكل بالنسبة للمحققين البحث في جرائم القتل المرتكبة في إطار العلاقات الجنسية المثلية مسألة معقدة، إذ كثيرا ما يتحول الزبون الشاذ إلى آلة إجرامية طاحنة لكل من يتصيدها من الشواذ بالشارع العام… ومن هنا، فإن قضية جريمة قتل المستر جورج، التي نسوقها في هذا الأسبوع، حيرت المحققين المكلفين بتفكيك لغز هذه الجريمة نظرا لانعدام ما يثبت إن كان القاتل شاذا جنسيا، أم لا….
* إعداد: عبد الحفيظ محمد
تعود وقائع هذه القضية إلى الثامن من شهر دجنبر 2003، حين فتح عبد الرحيم كعادته كل صباح في حوالي الساعة الثامنة و15 دقيقة مستودع شركته الواقع بمدينة الجديدة أسفل بيت صديقه الحميم المستر جورج. وكعادته أيضا طرق في ذلك الصباح باب بيت هذا الأخير، لكن لا أحد كان يرد خلف الباب. فأعاد الكرة من جديد إلا أن طرقاته كانت تذهب أدراج الرياح، الشيء الذي دفعه إلى استعمال مفاتيح البيت التي كانت بحوزته. وبمجرد دخوله اكتشف المستر جورج وهو جثة هامدة مضرجة في بركة من الدم بسبب سيل من الطعنات التي تلقاها بواسطة سكين على مستوى العنق حيث لازال منغرسا في جسمه. فأسرع عبد الرحيم مهرولا للاتصال بأقرب مركز للشرطة.
الوقائع
بمجرد توصلها بإخبارية تفيد بوقوع جريمة قتل بشعة ذهب ضحيتها المسمى المستر جورج، انتقل فريق من عناصر الشرطة القضائية إلى عين المكان قصد المعاينة، وقد بدا عليهم ارتباك شديد لأن قتل رجل أجنبي داخل أرض الوطن ليست بالقضية العادية، لاسيما غداة أحداث11سبتمبر2001 الإرهابية بنيويورك و16 ماي 2003 بالدار البيضاء، حيث لم يتم استبعاد فرضية تعرض المعني بالأمر لعمل إرهابي.
ومن هنا، تم على وجه السرعة إرسال عناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى مدينة الجديدة لمؤازرة المصلحة الولائية للشرطة القضائية هناك.
كان المستر جورج رجلا أشقر وقد غزا الشيب رأسه، وذو قامة طويلة، وكانت ملامح وجهه العريض تذكر بملامح رعاة البقر. ورغم العلامات الرجولية البادية عليه لأول وهلة إلا أنه كان شاذا جنسيا، وكانت ميوله الجنسية تنسحب نحو الشبان على وجه الخصوص.
وكان من بين هؤلاء الشبان المسمى عبد الرحيم، 29 سنة، يعمل مديرا لإحدى الشركات بالمدينة، حيث كان يتميز بكونه صديقا حميما للمستر جورج منذ 1992 حين تعرف عليه كسائق في بداية إقامته بمدينة الجديدة، إذ كان يتمتع بتقاعد مريح في هذه المدينة الشاطئية الهادئة التي أحبها وفضل الاستقرار في أحد أحيائها الراقية. واستطاع بفضل روحه المرحة أن يكسب ود الجميع حيث كان بيته الواقع بتجزئة النخيل دائب الحركة باستمرار.
وبمرور الزمن، أصبح عبد الرحيم رجل ثقته حيث كان يقضي له كل حاجاته مقابل راتب شهري. وقد بلغت ثقة المستر جورج بعبد الرحيم إلى حد تسليمه مفاتيح بيته ليتفقده في حالة غيابه، كما تمكن هذا الأخير من الحصول على امتياز استئجار المستودع الواقع أسفل البيت المذكور بثمن رمزي قدره 300 درهما خصصه لشركته العاملة في مجال النظافة والبستنة بمعية شريكه عبد الكريم.
المعاينـة
بعد مرور مسافة زمنية، تمكن فريق المحققين من جمع العديد من الأدلة من مسرح الجريمة حيث تم العثور على كوبين يحتويان على مشروب غازي وقنينات من . تحمل بصمات، ولعاب عالق بأعقاب سجائر، بالإضافة إلى سروال وقميص داخلي وسروال آخر أسود اللون جد متسخ لا يحمل أي آثار للدم، كما تم العثور أيضا على مجموعة من الصور الخليعة للمستر جورج مع مجموعة من الشبان وعلى آثار دم على غطاء الآلة الكاتبة، وعلى شيكات موقعة على بياض تعود للضحية وتحمل توقيعات مزورة. هذه الشيكات التي نبه بشأنها ضابط الشرطة (محمد. س) رئيس الفرقة الجنائية التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية زملاءه قائلا: “بينما نحن نقوم بإجراء المعاينة قد يكون مرتكب هذه الجريمة الشنيعة في طريقه إلى محاولة صرف الشيك، فالشيكات التي بين أيدينا تعود للضحية، منها ما هو موقع على بياض بشكل مزور ومنها ما استعمل لتقليد إمضاء الضحية”.
التحريـات
وبمعية اثنين من معاونيه قام ضابط الشرطة(محمد. س) بالتوجه مباشرة إلى البنك على الساعة التاسعة صباحا حيث أكد له أحد مستخدمي الوكالة البنكية أن شابا كان يضع نظارات شمسية قد تقدم فعلا إلى شباكه بمجرد فتح الوكالة على الساعة الثامنة والنصف، وسحب شيكا يحمل توقيع الضحية بقيمة 20 ألف درهما.
ولما طلب ضابط الشرطة من مستخدم الوكالة البنكية بأن يمده بالبيانات المتعلقة ببطاقة التعريف الوطنية للساحب والتي دونها على ظهر الشيك المسحوب، أكد له بأن الأمر يتعلق بالمسمى عبد القادر ومحل سكناه بدوار أولاد بويحيى بإقليم الجديدة، كما أحاطه علما بأن الشباك الأوتوماتيكي للوكالة قد سجل في وقت مبكر من صباح هذا اليوم، وبالضبط على الساعة السادسة صباحا، حجز بطاقة الائتمان للأمريكي والتي صرح في وقت سابق بأنها ضاعت منه، بتاريخ 30 أكتوبر 2003، قي ظروف لم يحددها.
كانت هذه المعلومات التي توصل إليها الضابط (محمد. س) كافية بأن يتوجه رأسا إلى دوار أولاد بويحيى بإقليم الجديدة، حيث تمكن بسهولة من الوصول إلى بيت المسمى عبد القادر، لكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة عندما لم يجده ببيت عائلته. إذ أخبره والده أن ابنه ترك البيت على إثر نزاع نشب بين والدته وخطيبته وتوجه إلى الدار البيضاء لكي يستقر مع عائلة هذه الأخيرة.
وأضاف بأن ابنه قضى ليلتي السبت والأحد بالبيت وأنه كان ضحية لسرقة بالخطف قبل حولي شهر فقد على إثرها حقيبة وثائقه التي كانت تضم أيضا بطاقة تعريفه الوطنية.
وأثناء عملية مراجعة الشكايات من قبل الضابط (محمد. س) تأكد له بالملموس صدق أقوال الأب، إذ سبق للمعني بالأمر أن تقدم بشكاية في موضوع سرقة حقيبة وثائقه بالسوق الأسبوعي لمدينة أزمور.
التخمينات
وضع، ضياع بطاقة الشباك الأوتوماتيكي للضحية بتاريخ 30 أكتوبر 2003 ولم يتم استعمالها إلا في صبيحة الإجهاز عليه في 8 دجنبر من نفس السنة، جملة من الاستفهامات على فريق المحققين الذين فسروا الأمر استنادا على فرضيتين:
– إما أن يكون القاتل شخصا مألوفا لدى الضحية؛
– وإما أن يكون أحد زبنائه بالصدفة.
وفي هذه الحالة سيكون للصور الخليعة التي تم العثور عليها بمسرح الجريمة منفعة أكيدة.
غير أن انتشار نبأ جريمة قتل المواطن الأمريكي بشكل واسع وبسرعة فائقة قد حمل المترددين على بيته إلى الاختفاء حتى تهدأ العاصفة، مما جعل مجرد الاعتماد على الصور للوصول إليهم أمرا صعبا.
وبالتالي، يبقى عبد الرحيم الصديق الحميم للضحية هو المشتبه فيه الأول، نظرا لحيازته مفاتيح منزله، أضف إلى ذلك أن إصراره على إنكار وجود علاقة شاذة تجمعه بالضحية رغم صداقتهما يجعله مثار شكوك.
ومن هنا، أفاد (م.ب) عميد شرطة ممتاز، الذي قاد البحث: “يتعين التعامل بحذر شديد مع هذه الوقائع الإجرامية، لأن التجربة أبانت أنه من الواجب معرفة تحديد الأولويات”.
وانطلاقا من هذا المعطى وضع العميد الممتاز استراتيجية للبحث، حيث جعل من المشتبه فيه عبد الرحيم شخصا متعاونا يمده بالمعلومات الكافية، حول هويات وأماكن تواجد الأشخاص الذين ظهروا في الصور الخليعة المحجوزة، حيث تم الاستماع للبعض منهم، وتم بعد ذلك إطلاق سراحهم رغم اعترافهم بوجود علاقة شاذة جمعتهم بالضحية.
لأن الأمر الأهم بالنسبة لفريق المحققين هو جمع القدر الأوفر من الشهادات التي قد تمكن من حل لغز هذه القضية.
وهكذا، فإن تعامل الشرطة اللائق مع من تم الاستماع إليهم، شجع البعض الآخر على القدوم تلقائيا نحو المصالح الأمنية المختصة للإدلاء بإفادتهم في موضوع جريمة قتل المستر جورج والتخلص بالتالي نهائيا من القلق والتخوفات التي ظلت تلازمهم.
ومن خلال الشهادات المدلاة طفت على السطح ثلاث فرضيات ذات أهمية بمكان:
– أولها، أن الضحية كان حديث العهد بمعرفة شاب غريب شوهد مرتين بمعيته لكنه لم يكن يظهر في الصور الخليعة التي تم حجزها، حيث أن مواصفاته كانت تتطابق مع تلك التي أدلى بها مستخدم الوكالة البنكية للضابط (محمد.س)؛
– ثانيها، أن لا أحد من معارف الضحية تمكن من التعرف على القميص الأبيض والسروال الأسود المتسخين اللذين وجدا بمسرح الجريمة، مما قد يفيد أن يكون صاحبهما شخصا متشردا وبالتالي هو من يكون قد ارتكب جريمة قتل الأمريكي.
إلا أنه وبشهادة الجميع، فإن هذا الأخير لم يكن ممن تربطهم علاقات مع المتشردين، مما دفع بالمحققين إلى التفكير في فرضية كون الجاني قد تعمد تضليلهم وإيهامهم بذلك بغية إبعاد أي شبهة عنه.
– ثالثها، أن يكون الأمريكي قيد حياته قد تورط مع المدعو سعيد القاطن بدوار أولاد الركراكي والذي بعد ادعاء إصابته بمرض معدي نتيجة لعلاقته الجنسية به حاول ابتزازه دون جدوى. لكن بعد التأكد من هويته واستقدامه من طنجة، فإن المدعو سعيد، مع إقراره بذلك، واعترافه بصحة الأمر نفى نفيا قاطعا أن تكون له يد في قتل المستر جورج، وهو الأمر الذي عززه تقرير الشرطة القضائية بطنجة الذي أكد تواجده بالمدينة يوم وقوع الجريمة.
وهكذا، وأمام وصول التحقيق إلى باب مسدود لم يتبق أمام المحققين سوى التركيز على عبد الرحيم المشتبه به الأول في قضية قتل المستر جورج، الذي تعززت الشكوك حوله لكونه لم يكن بصحبة الضحية، على غير عادته خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث أكد أنه بسبب خلاف مع زوجته منذ مدة قريبة، قضى ليلة الأحد إلى صباح الإثنين لوحده في شقة شريكه عبد الكريم، الذي بدوره قضى نفس الليلة في بيت والديه.
لكن التحريات التي قام بها فريق التحقيق وعملية التفتيش المنزلي لم يسفرا عن أي شيء ذي بال لتتم تبرئته بصفة نهائية بعد إجراء مقارنة لعينة من دمه بآثار الدم التي وجدت على غطاء الآلة الكاتبة حيث تبين علميا أنها ليست له.
وبإصرار من المراقب العام(ي.ج)، الرئيس السابق للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تم تغيير مسار البحث، ليتركز محوره حول النشالين بالأسواق الكائنة بجهة الجديدة.
وقد عهد بهذه المهمة لعناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمساعدة بعض النشالين المتعاونين، حيث تم بسرعة توقيف لفيف منهم.إذ اعترف في الأخير المسمى عبد الهادي، 20 سنة، والقاطن بدوار سيدي علي، أنه منذ شهر، وبناء على طلب ملح من أخيه عزيز، فقد سلمه بطاقتي تعريف وطنيتين لغرض استعمالهما لسحب شيك بواسطة أحد معارفه المسمى مصطفى، ليتم إلقاء القبض على عزيز، الذي أكد على ما جاء في أقوال أخيه، وأضاف أن آخر مرة التقى بها المسمى مصطفى كانت بتاريخ 13دجنبر 2003 ليلا حيث كان يرتدي ملابس رياضية فاخرة وبحوزته أموالا أنفقها في شرب الخمر، وأخبره بأنه قدم طلبا إلى بلدية أزمور للمشاركة في فيلم أمريكي كممثل عرضي لكنه لم يلتق به منذ ذلك التاريخ.
التوقيف
تم حجز الطلب الكتابي مرفقا بنسخة من بطاقة التعريف الوطنية للمدعو مصطفى من بلدية أزمور. حيث تحقق تطابق التوقيع الذي ذيل به الطلب مع التوقيع الذي يحمله الشيك المزور الذي تم سحبه من البنك غداة يوم ارتكاب الجريمة.
وبالفعل تقرر وضع حراسة ثابتة حول منزل والديه وحول مقر شركة الإنتاج السينمائي وبلدية أزمور.
وباتفاق مع المحققين أخبر رئيس البلدية، المدعو مصطفى، بأن طلبه قد حضي بالموافقة وأن عليه مراجعة شركة الإنتاج السينمائي للحصول على عمل، حيث تم توقيفه في فاتح يناير سنة 2004، بعد مرور اثنان وعشرون يوما على تنفيذ مشروعه الإجرامي عندما كان يتأهب لولوج الشركة المذكورة. وبعد تفتيشه عثر بحوزته على هاتف نقال وساعتين يدويتين وخواتم تعود ملكيتها إلى الضحية، كما أرشد المحققين إلى الغرفة التي استأجرها بمدينة سطات حيث تم حجز بعض ملابس الضحية، وبطاقة تعريف وطنية مزورة باسم عبد القادر.
عند إحضار الجاني إلى مدينة الجديدة تم التعرف عليه بسهولة من طرف المسمى مراد المستخدم بالوكالة البنكية، وعند الاستماع إليه اعترف بالمنسوب إليه، كما جاء في محضر اعترافاته أنه في سنة 1999 وبعد انقطاعه عن الدراسة تعرف بمدينة إنزكان على المسمى “ميشيل” فرنسي الجنسية الذي وعده بمساعدته على الهجرة إلى فرنسا، لكنه لم يف بوعده ليبدأ في مخالطة الشواذ جنسيا بعد أن أزهق روحه بوحشية. كما اعترف أيضا بارتكابه لجريمة قتل مزدوجة بواسطة سكين سنة 2001 بمدينة أكادير ذهبت ضحيتها سيدتين تمتهنان الدعارة.
أما الميستر جورج، فقد تعرف عليه الجاني بشاطئ الجديدة…