على هامش المؤتمر 11 للاتحاد الاشتراكي.. حزب بوعبيد بين النجاة من السكتة القلبية إلى الموت السريري!!
- متابعة: جمال نهرو
منذ وفاة الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، القائد الاتحادي، الذي أسس الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في يناير 1975 بعد مغادرته للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزبه يتخبط وسط موجة من الغليان المتعلق بالحرب من اجل الزعامة والمواقع في الأجهزة القيادية والمقررة.
لقد قارع محمد اليازغي وجماعته، التي يعتبر ادريس لشكر العنصر الأبرز فيها، غريميهما في الحزب وهما عبد الرحمان اليوسفي ومحمد نوبير الاموي، قبل أن يغادر هذا الأخير سفينة الحزب قبيل المؤتمر الوطني السادس (الذي اطلق عليه الفنان الساخر أحمد السنوسي/بزيز المؤتمر الوطني السادس نصره الله، و اطلق عليه رفاق الساسي والأموي مكتب الصرف).
وقد واصل اليازغي وزبانيته بعد المؤتمر الوطني السادس مقارعة عبد الرحمان اليوسفي وخالد عليوة، إلى ان استقال اليوسفي من المكتب السياسي ومغادرته حزب “الوردة” الذابلة، بعد فقدانه للدعم الذي كان يتلقاه من التيار النقابي للزعيم محمد نوبير الاموي ومن تيار الشبيبة الاتحادية للحزب بزعامة محمد الساسي.
وفور مغادرة اليوسفي للحزب، وجد اليازغي نفسه يتمتع بزعامة صورية لا حول له ولا قوة فيها، لأن الآمر الناهي في معسكره هو ادريس لشكر، بينما كان الوزراء في معسكر عبد الواحد الراضي، وهم الذين فرضوا على خلف اليوسفي ميثاقا حزبيا امتثل له إلى ان انتهت زعامته الصورية بانقلاب دبره له ادريس لشكر، ردا من هذا الأخيرعلى عدم استوزاره في حكومة صاحب “النجاة” الاستقلالي عباس الفاسي، فأطاح به من الكتابة الأولى وأخرجه من الحزب، فلم يكمل ولايته اليتيمة ككاتب أول للحزب، علما أن الولاية السابقة كانت ولاية اليوسفي.
وإثر هذه السقطة/الكبوة القاضية نظم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤتمره الوطني الثامن، الذي انتهى في طورين إلى انتخاب عبد الواحد الراضي، رجل الاتحاد الاشتراكي في القصر ورجل القصر في الاتحاد الاشتراكي، كاتبا اول للحزب، وبعد ذلك تم منح إدريس لشكر منصب وزاري صغير في حكومة عباس الفاسي، هو الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان. لكن هذا المنصب الوزاري لم يعمر فيه لشكر طويلا بسبب الربيع العربي، الذي أوصل إسلاميي المغرب إلى الحكومة.
فبعد الربيع العربي واكتساح رفاق بنكيران، الذي تحالف معه ادريس لشكر بعد عدم استوزاره في حكومة صاحب فضيحة “النجاة” و سعى خلالها الاتحادي إلى طرح مطلب الملكية البرلمانية للضغط على الدولة العميقة من أجل منصب وزاري، وذلك بتحقيق ورثة الدكتور الخطيب لفوز لا سابق له في الانتخابات التشريعية لنونبر 2011، دفع ادريس لشكر بالاتحاد الاشتراكي إلى الخروج نحو المعارضة بدافع أو ذريعة تعارض المرجعيات والخيارات!
واتضح ان ثمة مخططا للدولة العميقة بالمراهنة على ناشطين حزبيين شعبويين وبلطجية لمواجهة ناشط حزبي إسلامي شعبوي هو الأخر صار رئيسا للحكومة. وهكذا سطع نجم حميد شباط ليصبح اميا عاما لحزب الاستقلال، وادريس لشكر ليصبح كاتبا اول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وإلياس العماري ليصبح امينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة. في مع هذا المخط استمر ادريس لشكر في قيادة الحزب إلى الآن.
وقراءة لمسار ادريس لشكر، فهذا الأخير ليس هو من صنع نفسه، بل هو صناعة الغير دائما. لقد صنعه محمد اليازغي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي لكي يقوم بالسخرة لفائدة سيده اليازغي طبعا، فيقوم بتفجير ونسف الاجتماعات التي لا يرضى عنها هذا الأخير، وخاصة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، او في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، او في الجمعية المغربية لحقوق الانسان او في المنظمة المغربية لحقوق الانسان. كما كان بمثابة جهاز مخابرات اليازغي يقوم بتأطير الوشاة الذين يترصدون خصوم هذا الأخير وكل الذين لا يدورون في فلكه، ويطلقون عليهم الاشاعات لتدمير سمعتهم. وكان في خدمة سيده لما كان طالبا بكلية الحقوق بالرباط أو إطار قضى الخدمة المدنية في وزارة الداخلية أو محاميا في هيئة الرباط أو برلمانيا عن نفس المدينة. وكان الاتحاديون يصفون مخططاته بالمخططات الشكراوية.
ورغم الخدمات التي قدمها لليازغي فقد فشل هذا الأخير في الدفاع عنه لاستوزاره في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وهو ما جعل ادريس لشكر يطرق باب ادريس البصري بحضور محمود عرشان، طالبا من وزير داخلية الحسن الثاني تعيينه عامل مقابل الولاء والوفاء والخدمة لفائدة ابن مدينة سطات (وهذه الشهادة من كتاب محمود عرشان “من أجل الشرف، من أجل الوطن”، الصادر باللغة الفرنسية). كما فشل اليازغي في استوزار مسخره في حكومتي ادريس جطو وعباس الفاسي صاحب فضيحة “النجاة”. بينما نجح اليازغي في توزير مسخر آخر سرعان ما انقلب عليه بعد الاستوزار هو محمد الأشعري، وزير الثقافة الأسبق.
ولذلك كان مخطط عدم توزيره بمثابة نهاية قاضية على مستقبل محمد اليازغي السياسي، بطرد هذا الأخير من قيادة الحزب ومغادرته له بعد ذلك.
وبعد أن انفصل عن عرابه وسيده السابق دخل في الخدمة من جديد لدى الدولة العميقة، في إطار مخطط منها لإنقاذ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من السكتة القلبية، من أجل مواجهة المد المتصاعد للإسلام السياسي، فكان أول ما قام به هو التصدي لحركة 20 فبراير وشيطنتها بذريعة تحالفها مع جماعة العدل والاحسان، كما دفع بالاتحاد الاشتراكي إلى عدم المشاركة في حكومتي عبدالإله بنكيران لأولى والثانية، وساهم في نسف محاولة هذا الأخير تشكيل حكومته الثالثة بعد انتخابات أكتوبر 2016.
لقد ساهم إدريس لشكر مع الياس العماري ومحند العنصر ومحمد ساجد بزعامة عزيز أخنوش في إطار تحالف للأحزاب الإدارية لعرقلة تشكيل الحكومة في إطار بلوكاج 2017. ومكافأة على ذلك دخل الاتحاد الاشتراكي حكومة سعد الدين العثماني بثلاثة حقائب، وقد تم رفض استوزار ابنته المحامية خولة لشكر، لكن ولتعويضه فقد تم اسناد منصب رئيس ديوان الوزير المنتدب للوظيفة العمومية الاتحادي بنعبد القادر إلى ابنه حسن لشكر، الذي تبع وزيره إلى قطاع العدل، ودائما رئيسا للديوان. وواصل لشكر مهامه على رأس الحزب في انتظار خيارات من خارجه، بموازاة ترافعه على ملفات من قبيل ملف خالد عليوة وعبد الوهاب بلفقيه وعبد المولى عبد المومني، وكلها ملفات تتعلق بالفساد المالي والإداري.
لقد كانت ترتيبات انتخابات 2021 بمثابة انقاذ جديد من السكتة القلبية لحزب في حالة موت سريري. فالرجل الذي جيء به لقيادة الاتحاد الاشتراكي من أجل مواجهة حكومة بنكيران في 2012، يقضي ثلاث ولايات على رأس الحزب، تدحرج خلالها من المعارضة إلى الحكومة ثم إلى المعارضة من جديد، بعد رفض عزيز أخنوش إشراك الاتحاد الاشتراكي في الحكومة الحالية، رغم استجداء ادريس لشكر والمجلس الوطني لحزبه في بيان بائر لحزب بائر.
وقد جاء المؤتمر 11 للاتحاد الاشتراكي للتغطية على فشل ادريس لشكر في مساعيه من أجل المشاركة في الحكومة لضمان حقيبة وزارية لابنته خولة لشكر، التي فشل سابقا في ضمان منصب سفيرة لها. فهذا المؤتمر أكد أن الحزب دائما هو في حالة موت سريري، لأن المقاعد التي ضمنها في البرلمان حصل عليها بواسطة مرشحين وافدين من الأحزاب التي كان الاتحاديون يسمونها بالأحزاب الإدارية. كما أكد المؤتمر بان الجهود التي بدلها ادريس لشكر منذ انتخابه في 2012 لطرد خصومه من الحزب، ورغم انها حققت أهدافها، فإن الخصومات تتناسل حوله والدليل على ذلك أن التجمع الوطني للأحرارعقد مؤتمره قبل أيام فقط، لكنه أعلن عن نتائج المؤتمر وعن تشكيلة أجهزته التقريرية والقيادية. بينما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبعد ما يقرب من شهرين لم يعلن بعد على لائحة المجلس الوطني لانتخاب المكتب السياسي. ويطرح هذا الفراغ تساؤلا حول شرعية الحزب وكاتبه الأول الحالي الذي انقلب على قانون الحزب ليستمر ولاية أخرى لتعبيد الطريق إما لنفسه لولاية رابعة أو لابنته خولة لشكر لتكون أول امرأة تتبوأ منصب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي. وحينها يتفرغ ادريس لشكر لتقاعده متمتعا بمعاشه الاستثنائي كوزير سابق، على غرار أحمد عصمان ومحمد بنعيسى ومحمد اليازغي وإدريس جطو وعباس الفاسي وعبد الإله بنكيران ومحمد الأشعري ومحمد الكحص وباقي وزراء حكومة التناوب أو غيرها من الحكومات المتعاقبة.
و يبدو أن الدولة العميقة ما تزال في حاجة إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لذلك أنقذته أكثر من مرة من السكتة القلبية (وليس هو من أنقذ المغرب من السكتة القلبية)، وهو في حالة موت سريري.
وإذا كان من تأريخ للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ تأسيسه في 1975، فقد كانت مرحلة عبد الرحيم بوعبيد مرحلة تأسيس وبناء، ومرحلة اليوسفي مرحلة زحف نحو الحكم، ومرحلة اليازغي –الراضي مرحلة المشاركة في الحكومة، اما مرحلة لشكر فقد كانت مرحلة سخرة بامتياز، لا يراهن فيها الحزب على قواعده الاجتماعية وامتداده في المجتمع، بل على دعم الدولة و حاجتها إلى توظيفهن أي أنه حزب سخرة، يقتات من الريع يأكل الغلة ويسب الملة.