*د. محمد قعاش: الملعب بالنسبة إلى المتفرج فضاء غير مراقب يصلح لتفجير مكبوتاته
خلفت الأحداث التي أعقبت مباراة الوداد البيضاوي والجيش الملكي ردود فعل متباينة، لكنها صبت جميعها في إدانة ما يعرف بالشغب داخل وخارج الملاعب. وفي هذا السياق يرى الدكتور محمد قعاش أن ظاهرة الشغب في المغرب لا يمكن عزلها عن المحيط الدولي بما أنها نتاج نماذج تابعها الشباب المغربي عبر عدة وسائل إعلامية على الخصوص. ويضع محمد قعاش أستاذ الاقتصاد والتدبير الرياضي عدة تصنيفات للجمهور، محذرا من الخطورة التي يشكلها الصنف الرابع الذي يبحث عن الظهور في الملعب ولفت الأنظار إليه والتعبير عن سخطه وغضبه، وأحيانا عن حقده للمجتمع الذي يعيش فيه، فنتيجة المباراة، حسب قعاش، هي وسيلة للتعبير عن مشاعره المكبوتة.
- أجرى الحوار: م. اليازغي
هل يتعلق الأمر في نظركم بظاهرة أم بأعمال معزولة؟
الأمر يتعلق بظاهرة اجتماعية، وعندما نتحدث عن الشغب في المغرب، فإننا بالضرورة نتحدث عن ظاهرة عالمية والمغرب فقط جزء منها، فإذا ما استحضرنا تاريخ كرة القدم الحديث منذ الستينات إلى يومنا هذا، فإننا نجد أن هناك عدة تظاهرات رياضية ذهب ضحيتها عدد كبير من المتفرجين نتيجة العنف والشغب في الملاعب الرياضية، فبانجلترا، شهدت الملاعب سلسلة من الأحداث المؤسفة التي كانت شبه دائمة خصوصا في سنوات 1980 و1983 و1985 و1989 توفي خلالها أزيد من 250 شخص مع مئات الجرحى، وهي الأحداث التي كانت تسيطر عليها مجموعات الهوليغانز صاحبة الصدارة في العنف والشغب في الملاعب الأوربية. هذا المعطى حول مهمة محاربة هذه الظاهرة الخطيرة “الهولغانيزم” من أولويات الدولة والمؤسسات الرياضية في انجلترا خلال التسعينات.
وقد انتقلت عدوى الهوليغانزم من انجلترا إلى الدول الأوربية ثم إلى الدول الإفريقية عبر النقل التلفزي للمباريات الأوربية في كرة القدم، فالعنف والشغب هي أعمال متكررة منذ الستينات، وبالتالي أصبحت ظاهرة اجتماعية تدعو المسؤولين السياسيين والأمنيين والرياضيين والباحثين في مجال علم الاجتماع وعلم النفس وعلم التربية والاقتصاد إلى البحث من أجل إيجاد حلول ناجعة للقضاء عليها أو الحد منها.
هل الأمر ينسحب بنفس الشكل على المغرب؟
في اعتقادي أن الأمر يتعلق، رغم كل شيء، بظاهرة جديدة دخيلة على المجتمع الرياضي المغربي، فالساحة الرياضية المغربية لم تكن تعرف هذه الأحداث وبهذا العنف وبهذا العدد قبل التسعينيات. إن ظهور هذه الأحداث في بعض الميادين المغربية لكرة القدم، هو نتيجة لعدة عوامل، منها ما هو ناتج عن عولمة النقل التلفزي لمباريات كرة القدم ولما يجري في الملاعب الأوربية والعربية (أحداث بورسعيد)، حيث ساهم هذا النقل في وضع مناظر العنف والشغب أمام أعين الشباب المغربي المتتبع لكرة القدم. وتحت عوامل اجتماعية ونفسية وتربوية واقتصادية انتقلت عدوى هذه الظاهرة الأوربية الأصل إلى الشباب المغربي، وهي الآن تتفاقم وتتعاظم داخل وخارج ملاعبنا الرياضية.
هل هناك مواصفات معينة للأشخاص ذوي الميولات للعنف في المنافسات الرياضية؟
يمكن أن نقسم المتفرجين إلى أربعة أصناف: المتفرج الحقيقي الذي يحضر لرؤية مباراة جميلة ولعب في المستوى الرفيع، والمتفرج الذي يختار فريقا يدافع عنه بدون الذهاب إلى العنف والتعصب، والمتفرج المنحاز إلى فريقه والذي يرى أنه من الواجب عليه الذهاب إلى الملعب من أجل تشجيع الفريق للفوز، وأخيرا المتفرج الذي يبحث عن الظهور في الملعب ولفت الأنظار إليه والتعبير عن سخطه وغضبه، وأحيانا عن حقده للمجتمع الذي يعيش فيه، فنتيجة الفريق هي وسيلة للتعبير عن مشاعره المكبوتة.
فالمشاغبون في الملاعب الرياضية المغربية هم في غالبيتهم من الصنف الرابع ويتكون من مجموعات صغيرة ذات زعامات وسنهم ما بين 16 و 20 سنة، وغالبا ما تكون هذه المجموعات حاضرة في كل المباريات ولها أناشيد خاصة مفعمة بالسب والشتم للحكام وللمسيرين وللفريق الخصم ولجمهوره. وهم غالبا من الأسر الفقيرة والمتوسطة، ولهم مستوى دراسي ضعيف، لهم مشاكل اجتماعية واقتصادية مزرية ومشاكل أسرية (هم ضحية تفكك عائلي). كما يعيشون في عزلة تجعلهم يشعرون بالإحباط والتهميش، فالعنف والشغب بالنسبة إليهم هو تعبير عن حق الوجود داخل مجتمع في نظرهم لا يهتم بهم وبمشاكلهم.
لكن وراء هذا المتفرج المشاغب تقف بالتأكيد أسباب موضوعية؟
بالطبع، والأسباب المؤدية للعنف داخل وخارج الملعب، منها ما هو مباشر، ومنها ما هو غير مباشر، ويمكن حصر الأسباب المباشرة في حالة الملعب، ففي غالب الأحيان ما يكون عدد المتفرجين يفوق بكثير عدد المقاعد المتواجدة بالمدرجات، مما يتسبب في الكثير من المناوشات بين المتفرجين. وهذا الاكتظاظ غالبا ما يحدث الشغب في المدرجات، إضافة إلى غياب التأطير والمراقبة في المدرجات وسوء التحكيم وغياب الأجواء التنشيطية والاحتفالية في الملعب، وغياب التواصل بين الأندية وجمعيات المحبين، وتناول المخدرات وشرب الكحول قبل حضور المباراة ما يفقد المتفرج إدراكه للواقع ويعطيه شحنة استثنائية للقيام ببعض الحركات والتعبير بالكلام المسيء للخصم، وبالتالي الدخول في مشاداة كلامية وممارسة العنف والأعمال التخريبية في حالة تعادل أو إخفاق فريقهم. أما العوامل غير المباشرة فيمكن إجمالها في الصحافة التي تدفع في كثير من الأحيان إلى العنف والشغب في الملاعب الرياضية من خلال الأوصاف التي تنعث بها هذه الصحافة الخصم. كما أن هناك عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية تتعلق بشخصية المتفرج الرياضي أو المحب للفريق، والذي غالبا ما يمثل فضاء الملعب مجالا له للتعبير عن مكبوتاته ومعاناته اليومية، لأن المركب الرياضي يضمن له كل الحرية في التعبير ما دام مع الجماعة وغير خاضع لأية مراقبة، إضافة إلى غياب مسؤولية المسير الرياضي الذي ترك في السنوات الأخيرة فراغا قاتلا في مجال التأطير التربوي والاجتماعي للمحبين الرياضيين للفريق، حيث انشغل جل هؤلاء المسيرين بصراعات وتطاحنات في ما بينهم للحفاظ على مناصبهم، فجل هؤلاء المسؤولين هم على رأس الأندية لمصالح خاصة، ويتناسون أن الرياضة هي قبل كل شيء تربية وأخلاق ونظام وتعلم وتثقيف الشباب ومساعدته على الاندماج في محيطه.
- ( *د. محمد قعاش، أستاذ الاقتصاد والتدبير الرياضي)
- (م.ش.. ماي 2012)