المقارعة الفكرية
بقلم: نادية بنصالح
كل المخلوقات في هذا الكون تحيا بالفطرة إلا أن الإنسان تميز عنها بالعقل الذي حباه الله ليؤدي الرسالة الإنسانية الموجود لأجلها، والتمييز بين الصالح والطالح في اختيارات تفاعله الكوني حيثما وجد، إلا أن التطور البشري حاول التكيف مع ما تمليه عليه العقائد الدينية والإيديولوجيات الدنيوية؛ محاولة اتفق الجميع على تسميتها بالقيم كإطار عام لهذه التفاعلات، لتأطير الفطرة وكبح السلوكات المتوحشة (المصلحة) لبني الإنسان، تأطير خلقت له أساليب وأدوات فكرية ومنهجية لضمان تعايش بناء وهادف وبشكل حضاري أهمها المقارعة الفكرية (التشاور، الحوار، الجدل، المناقشة، …) لكن بالرغم من هذه المحاولة الإنسانية النبيلة التي تنبني على المبادئ القيمة نجد تطورا عكسيا ومضادا في السلوكات البشرية، الممكن القول عنها الغير منضبطة والساعية لإيقاف كل ما هو جيد وعقلاني، والضاربة للمنطق بطريقة خبيثة أقل ما يمكن القول عنها “التصيد”.
والتصيد سلوك منحط شاع في زمننا ليفرغ المقارعة الفكرية من دورها الحضاري وأهدافها البناءة ويحولها لمصيدة للصالح لصالح الطالح، محاولة التصيد هاته هي (تكتيك) لمحاربة العقدة/الفرد الصالح بمبادئه النبيلة، حرب تسمح فيها كل الوسائل الدنيئة مهما كانت منحطة سواء بشكل مباشر أو مبطن (التشكيك، التبخيس، التهكم، التجييش، التجسس، استغلال الثقة، استغلال المآسي، الخداع، ….) في الوقت الذي يحاول الفرد/العقدة الخير العيش بإنسانيته، يلجأ الفرد المصلحاتي تصيده بمبادئه ويكثر عليه الضغط بكل الوسائل والأدوات المسموحة في مذهبه الميكيافيلي لمحاصرته وتكبيله بمبادئه وفرض جو من الإحباط حوله لضرب عزيمته الإنسانية النبيلة ليس لأنه فاشل أو بليد بل لأنه طيب ذو مبدإ، وتفاعله يعاكس رغبات الطالح المتوحشة، وجعله (الصالح) يعيش في دوامة اهتزاز الثقة بالنفس و بالغير لدرجة اليأس حسب مدى قدرته على التحمل ومدى اقتناعه بمبادئه.
وبذلك يبدو الفرد الفاشل المصلحاتي ذو النزعة المتوحشة، هو المؤثر الناجح في الشبكة المجتمعية، وتعدد هذا النموذج يجعل من الشبكة كزجاج براق مؤهل للانكسار مع أي هزة لأنه في الأصل تغيب عنه الروح الإنسانية التي من أجلها خلق العقل الموكول له تأطير الفطرة وترويض النفس للتفاعل والتعايش بشكل متوازن مع باقي العقد.
قال الفيلسوف شيشرون:
“الإنسان المنحط سمته الاستهانة بالنفس البشرية ”
…/…