عائلة با الحسين.. جريمة قتل بشعة في خريبكة زادها حمل الضحية بشاعة..
تنقلنا قضية ركن “من أرشيف الجريمة في المغرب” لهذا الاسبوع إلى مدينة خريبكة، التي كانت مسرحا لجريمة قتل مروعة غادة أحد أعياد الأضحى، حيث قتل رجل تعليم يعاني من اضطرابات نفسية زوجته وزميلته في المهنة بواسطة سلاح أبيض بعد مشادة كلامية، إذ اتهم الزوج زوجته بالخيانة من دون حجة ولا دليل، في حين ردت عليه بأن يعرض نفسه على طبيب نفسي… عودة إلى جريمة قتل بشعة زادها حمل الضحية بشاعة.
* إعداد: عبد الحفيظ محمد
كانت السعادة تغمر المسمى (الحسين.ر) وهو يرى جميع أفراد عائلته وقد التأمت بمنزله في مدينة خريبكة بمناسبة عيد الأضحى.
كان الحسين يعمل بالمكتب الشريف للفوسفات قبل بلوغه سن التقاعد منذ أزيد من عشر سنوات، متزوج وأب لخمسة أبناء. وبمناسبة هذا العيد السعيد، اشترى خروفين أملحين عقلهما على سطح منزله بالمدينة الجديدة حيث ضحى بواحد، بينما ترك الآخر لابنه البكر محمد، متزوج وأب لبنت.
وكان الحسين عشية عيد الأضحى قد بعت ابنه الآصغر عبد العزيز محملا بترسانة من السكاكين بغرض شحذها كما جرت العادة في مثل هذه المناسبة، لدى شحاذ يتواجد في زاوية الزقاق.
لكن خلف هذه الصورة الوردية التي فرضتها هذه المناسبة السعيدة كانت أسرة الابن البكر غارقة في المشاكل وباتت علاقة إبنه محمد وزوجته على صفيح ساخن.
سوء الفهم
كان محمد 35 سنة. يعمل أستاذا للتربية البدنية في إحدى الإعداديات بمنطقة البروج، على الرغم من حمله لشهادة جامعية في الكيمياء.
وبعد فشل زيجاته الأولى، تزوج مرة أخرى بالمسماة غزلان، التي تعمل مدرسة في مدينة “بير الجديد” القريبة من مدينة الجديدة.
كانت غزلان مطلقة أيضا من زواج لم يكتمل، وكانت تصغر محمد باثني عشرة سنة، وقد كلل زواجهما قبل عامين بمولودة جميلة اختارا لها من الأسماء اسم فردوس حبث أدخلت البهجة والفرحة إلى عش الزوجين.
لكن ظروف العمل كانت تجبر الزوجين على الابتعاد حيث لا يلتقيان إلا خلال نهاية الأسبوع وفي أيام العطل، في انتظار ما ستسفر عنه نتيجة طلب التجمع العائلي الذي ظل يتدحرج لسنوات في سراديب وزارة التربية والتعليم.
وقد شكل عيد الأضحى، الذي تزامن هذه السنة مع العطلة المدرسية، مناسبة للقاء محمد بزوجته غزلان والصغيرة فردوس، التي تعيش مع والدتها بالبير الجديد في بيت الحسين.
بعد تناول وجبة الفطور بالكباب كما جرت العادة في عيد الأضحى لدى معظم الأسر المغربية، ذهبت غزلان رفقة الصغيرة فردوس لزيارة والدها المسمى الشرقي المتقاعد بدوره من المكتب الشريف للفوسفات، فبادرها بالسؤال عن أخبار زوجها محمد، فردت عليه بأنه لم يستطع المجيء معها لأنه استيقظ هذا الصباح وهو يعاني من حمى شديدة ألمت به وألزمته السرير.
إلا أن الشرقي فسر في قرارات نفسه عدم مرافقة محمد لزوجته غزلان لزيارة أهلها في مثل هذه المناسبة ب”الفال السيء”، لكن ابنته لم تتعود الحديث عن خلافاتها الزوجية إلى والدها.
وبما أن زوجها لم يرافقها في زيارتها له قرر الشرقي مرافقة ابنته عندما تعود في اليوم الموالي إلى منزل أنسابه، وبالمناسبة القيام بزيارة خاطفة هناك للاطمئنان على أحوال صهره.
وبما أنه لم يلاحظ خلال زيارته القصيرة لصهره بأنه ليس هناك شيء مريب وأن الأمور تسير كالعادة. عاد مطمئنا إلى بيته.
يعاني من الاكتئاب
صحيح أن زوج غزلان كان مريضا، ولكن الصحيح كذلك أنه كان مريضا بشيء آخر من غير الحمى. بحيث أنه لم يكن يتحدث إلى أي شخص، ولا يضحك كعادته، ولا يغادر البيت أبدا، كما كان يتهرب من لقاء جميع أفراد العائلة، ويقضي ساعات طويلة معتزلا ونظراته شاردة تحدق في تعقيدات أفكاره المظلمة، وعندما تسوء حالته يبدأ ينطق بكلمات يبدو أنه وحده يفهمها.
ويتذكر والده الحسين جيدا أنه قبل أربعة أشهر اتصلت به زوجة إبنه عبر الهاتف وهي تبكي لتخبره أن ابنه محمد لم يعد هو نفسه، وأنه تغير، وبدأت حالته تقلقها بجد.
أكيد أن الحسين لم يكن قلقا جدا، معتقدا أن الأمر لا يتعلق هنا سوى بحالة كآبة حميدة عابرة، كما نصاب بها من وقت لآخر في حياتنا، وحتى زوجة إبنه نفسها لم تلح عليه أكثر حول هذا الموضوع. ولكن الآن، وخلال هذه العطلة القصيرة بمناسبة عيد الأضحى، حيث قضى معه ما يكفي من الوقت، فإنه تمكن من ملاحظة أن حالة إبنه محمد كانت أسوأ مما كان يتصور؛ فقد أصبح صامتا، ومنغلقا على نفسه، وعقله شارد، وتأخذه أفكار مظلمة لا أحد يفسرها. وأحيانا يدخل من دون أي مبرر يذكر في نوبة غضب جنونية ضد ابنته الصغيرة فردوس.
وأمام الحالة التي بات يعاني منها ابنه محمد فكر الحسين في نقله إلى طبيب نفسي، ولكنه لم يتمكن حتى الآن من إيجاد الوقت المناسب، ناهيك عن الكلمات لمباشرته في هذا الموضوع.
وفي اليوم التالي، وبالضبط في يوم 10 نوفمبر 2011، بعد الظهيرة، صعد محمد وغزلان إلى الطابق الثاني لتناول كأس من الشاي مع الحسين وزوجته المسماة العاليا، ثم نزلا إلى الطابق الأول.
وفي الوقت الذي ظل فيه الحسين متسمرا أمام التلفزيون. لاحظ أن ابنه محمد صعد ثانية لكي يتسلل إلى داخل المطبخ ويخرج.
إلا أنه اعتقد بأن ذلك لا يعدو أن يكون سوى مراوغة من مراوغات ابنه. وفي هذه الأثناء سمع صوت المؤذن ينادي لصلاة المغرب. فوقف الحسين ولبس بلغته للذهاب إلى المسجد القريب من مكان سكناه.
صرخات تقشعر لها الأبدان
وفي الوقت الذي كان فيه الحسين نازلا من الطابق الثاني لمنزله أسفل الدرج متوجها إلى المسجد المجاور لأداء صلاة المغرب كعادته، سمع صرخات تمزق صمت الغسق، حيث كانت زوجة ابنه غزلان في الطابق الأول تطلب النجدة، وكان صراخها حادا جدا إلى درجة تقشعر له الأبدان.
فأسرع الحسين الخطى متجها نحو الباب مصدر نداءات اﻻستغاثة، فحاول فتحه، لكن محاولته باءت بالفشل لأنه كان مغلقا من الداخل. فضاعفت غزلان من صراخها الذي كانت تتخلله أصوات ناجمة عن تساقط الأثاث. فخشي الحسين من حدوث الأسوأ.
وبينما ظلت غزلان تصرخ دائما بصوت أجش وأصبحت نداءاتها كالمجنونة، حاول الحسين عبتا فتح باب الغرفة بالقوة بواسطة ضربات كتفيه خوفا من وقوع الأسوأ. لكنه تمكن في الأخير من كسر زجاج النافذة التي تطل على الباب، إلا أنه أدرك بأن ﻻ فائدة يمكن أن يجنيها من وراء ذلك، إذ لا يمكنه التسلل عبرها إلى داخل الغرفة، نظرا لضيقها الشديد، وصعوبة المرور عبرها بالنظر إلى المخاطر التي يمكن أن تتسبب في حدوثها الشظايا المسننة. وفي هذه الأثناء توقفت غزﻻن عن الصراخ وعوضت حشرجتها اليائسة نداءاتها المطالبة بالنجدة. وهكذا مرت مسافة عشر دقائق من الزمن ببطء شديد، قبل أن يفتح محمد الباب في الأخير. فرآه الحسين يصعد إلى الطابق الثاني ووجهه ملطخ بالدماء وملابسه كذلك. ولما دخل إلى الغرفة رأى غزلان ملقاة على الأرض مضرجة في بركة من الدماء. وبصوت خافت، كانت تردد ذكر الشهادة: “لا إلاه إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله”.
في هذه اللحظة، نادى الحسين على زوجته العالية التي نزلت إلى الطابق الثاني متجهة نحو الغرفة لمعرفة ماذا جرى، لكن أغمي عليها أمام هول هذا المشهد المرعب.
وعلى الرغم من هول ما اقترفت يداه ناد محمد على سيارة إسعاف، التي بمجرد ما توصلت بمكالمته حتى انتقلت إلى عين المكان، حيث نقلت غزلان إلى المستشفى وهي بين الحياة والموت.
لكن رغم الإسعافات التي قدمت إليها سلمت الروح إلى باريها وهي في الطريق إلى المستشفى. ليتم إخطار الشرطة بالحادث، إذ انتقل فريق المحققين إلى عين المكان لمعاينة الجثة.
عاين المحققون أن جلباب الضحية كان مخترقا من كل مكان ويقطر دما نتيجة الطعنات القوية التي وجهت إليها بواسطة سكين، كما توصلوا أيضا إلى معطيات تفيد أن الضحية يظهر أنها قاومت زوجها المعتدي بكل ما أوتيت من قوة حيث ﻻزالت تمسك بين يدها خصلة من شعره. ثم انتقل الفريق على عجل لتوقيف القاتل، الذي تم العثور عليه في مكان ما من الطابق الثاني بمنزل والده، حيث صفف شعره وغير ملابسه لكنه كان يحمل خدشا طفيفا على أذنه اليسرى، ليتم تصفيده على الفور من دون أن يبدي أي مقاومة. وطلب منه المحققون بأن يدلهم عن المكان الذي خبأ فيه سلاح الجريمة، لكنه ظل صامتا من دون ان ينطق بأي كلمة.
وبعد تصفيد محمد انتقل فريق التحقيق لمعاينة مسرح الجريمة. حيث اكتشف بأنه أمام جريمة قتل مروعة بكل المقاييس.
أليست الضحية الوحيدة
تم نقل محمد إلى مركز الشرطة حيث أن مسؤوليته عن قتل زوجته ليس فيها ذرة شك، لكن المحققين أرادوا الاستماع إليه بخصوص أمرين ﻻ ثالث لهما: سلاح الجريمة، والدافع إلى ارتكابها بشكل خاص.
لكن محمد لاذ بالصمت التام. وبالرغم من ذلك أمطره المحققون بوابل من الأسئلة الملحة. إلا أنهم لم يتمكنوا من أن ينتزعوا منه سوى ترديد طلاسيم بلغة غامضة.إذ اعتقدوا بالمقابل أنهم فهموا من كلامه لاسيما عندما يصبح محمد أكثر اتساقا، أنه منذ بضعة أشهر، بدأت غزلان تبدي استياء منه على السرير، إلى درجة بات يشتبه في خيانتها الزوجية، ولكن من دون أن يتوفر على أدنى دليل. إلا أن الوسواس بات يضنيه. لكنها استفزته عشية ذلك اليوم المشؤوم بقولها له بأنه يجب عليه أن يعرض نفسه على طبيب نفسي أو فقيه. كما تم العثور على سلاح الجريمة من قبل والدة محمد تحت أحد الأغطية في صالون الطابق الأول عندما كانت تقوم بأشغال البيت، وهي عبارة عن سكين كبير له قبضة سوداء:وشفرة 30 سنتمتر شحد بمناسبة عيد الأضحى.
وقد سلمه أخوه عبد العزيز إلى الشرطة في وقت لاحق.
ولما عاد المحققون إلى المستشفى لاستكمال معيناتهم للجثة. حيث جردها من ملابسها الطبيب الشرعي تماما لضرورات التشريح. فإن تقرير هذا الأخير أظهر أن سبب الوفاة ليس الجروح الفاغرة على صدر الضحية ولا الثقوب التي تخترق صدغها وخلف رقبتها بل رأى أن هناك شيئا آخر. إنه بطن غزلان المنتفخ.