معاش بنكيران.. الشجرة التي تخفي الغابة
*متابعة: جمال نيهرو
يسجل لرئيس الحكومة الأسبق، الإسلامي عبدا لإله بنكيران، هو اعترافه بحصوله على معاش استثنائي، وسيارة موضوعة رهن إشارته، بمبادرة ملكية.
ولكن المثير في الأمر هو أن النقاش انصب على بنكيران كمنفعل وليس كفاعل في هذه العملية، وأصبح أغلب من خاضوا في الامر يستنكرون بنكيران، وكأنه هو من يذهب إلى البنك ويسحب ما ليس له، أو انه هو من يذهب أخر كل شهر إلى الخزينة العامة المملكة ويوقع على أمر تحويل المعاش الاستثنائي إلى حسابه البنكي. او انه هو من ذهب إلى مراب رئاسة الحكومة وأخذ السيارة دون اعتبار لأي رادع.
لا أحد استنكر مثلا مسطرة منح هذا النوع من الامتيازات في بلاد ينهكها الريع الذي لا يستفيد منه بنكيران وحده، بل حتى من يعتبرون أنفسهم خصومه السياسيين او الحزبيين او الدينيين او الاجتماعيين. ولا أحد استنكر تقاعس مصالح رئيس الحكومة، ومصالح الدولة عموما، عن استرجاع السيارة التي صرح بنكيران نفسه أن الملك هو الذي وضعها رهن إشارته.
فإذا كانت الدولة جادة وتنهج ما يسميه الدستور بالحكامة الجيدة، فإنه لم يكن أن يصرف المعاش لبنكيران، أو يصدر أمر بذلك. كما لم يكن أن يتصرف بنكيران في سيارة ليست في ملكه. فالرئيس الأسبق للحكومة ليست له سلطة الآن لكي يستصدر توقيعا على أمر بصرف معاش شهر استثنائي، أو أمر بوضع سيارة رهن إشارته، هي قانونيا سيارة عمومية و لا يمكنها الحركة دون أمر بمهمة.
فمن امر بصرف المعاش وكيف صرف؟ وهذا النوع من المعاشات يصرف وفق قاعدة يعرفها جميع الفاعلين السياسيين والإداريين، يمر عبر قناة رئاسة الحكومة ووزارة الوظيفة العمومية و وزارة المالية ثم الخزينة العامة للمملكة لكي تنفذ الأمر بالصرف بعد أن يكون قد مر بكل مراحل التصفية. و لا أحد تساءل أو أثار الجهات التي لها يد في ذلك.
وهناك أمثلة كثيرة عن المستفيدين منهم رؤساء حكومة ووزراء أولون ووزراء سابقون، و سفراء سابقون، و مستشارون سابقون، و موظفون سامون سابقون و أرامل شخصيات راحلة و سياسيون ورياضيون و فنانون و كتاب و شعراء و سينمائيون وصحفيون نافذون و أعيان من جهات محددة و غير ذلك، يستفيدون كلهم من المعاشات الاستثنائية بدرجات.
و تمة قوائم بالمستفيدين من هذه المعاشات توجد نسخ منها لدى رئاسة الحكومة و وزارة المالية و وزارة الوظيفة العمومية و الانتقال الرقمي و الخزينة العامة للمملكة. وتصرف هذه المعاشات حسب درجات المستفيدين.
فمالقول في أحمد عصمان وعبد الرحمان اليوسفي وعبد اللطيف الفيلالي وعزالدين العراقي و ادريس جطو و عباس الفاسي و محمد اليازغي و فتح الله ولعلو و محمد الأشعري و خالد عليوة و محمد الكحص و إدريس لشكر مثلا؟ ومالقول في غير هؤلاء من مجموعات فنية؟ و مخرجين سينمائين يستفيدون من هذه المعاشات و من رخص للنقل؟ و لربما الأقوال والتصريحات و المآخذ الكاذبة تخفي الكثير من الحقائق في هذا الباب. فلا أحد ينكر أن تمة جيش من المسؤولين الحكوميين و الإداريين و الدبلوماسيين السابقين يستفيدون من المعاشات الاستثنائية. و لا شيء يرفع الجدل عن شخص بعينه إلا بالإدلاء بشهادة من الخزينة العامة و وزارتي المالية و الوظيفة العمومية تثبت أنه لا يستفيد من هذا النوع من المعاشات.
لكن الأمر الحاصل ان تلك الجماعات والأسماء المذكورة، ومنها المتقاعدة الآن، لا تقدم الخدمة لوجه الله او “بليكي” كما قال الإدريسي الأزمي. فلم يكن إدريس لشكر او أحمد عصمان او عبد الرحمان اليوسفي او عباس الفاسي أو بنكيران او سعد الدين العثماني او محمد الكحص او محمد اليازغي متطووعين يقدمون خدمتهم مجانا، بل السياسة حرفتهم منها يجنون الأموال سواء كانوا في الحكومة أو في المعارضة. بل إن معاركهم السياسية كانت من أجل المواقع والمناصب لتأمين الحياة وتأمين المستقبل، و لا أحد خدم البلاد حبا فيها او في أهلها.
و لنا في التحضير للانتخابات و تهافت من يعتبرون أنفسهم مناضلين عن الترشيحات مثال دقيق على التهافت على الريع و عائدات الموقع الذي تضمنه الانتخابات سواء كانت العائدات مالية أو عينية. ولنا في تشكيل الحكومات تهافت وتدافع وصراع من أجل الاستوزار لأن المنصب بقرة حلوب أو دجاجة تبيض ذهبا، وينتهي المنصب بكل يقين بالحصول على معاش استثنائي بعد الخروج من الوزارة.
وهناك أمثلة وقعت مع تشكيل حكومة اليوسفي في 1998 و جطو في 2002 و الفاسي في 2007، بمناسبة تشكيل هذه الحكومة الأخيرة، حكومة صاحب النجاة، وقعت مشادات من أجل الاستوزار كلفت اليازغي منصب الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لأنه فشل في ضمان منصب وزاري لإدريس لشكر.
إن هؤلاء لا يمارسون السياسة ويحترفون النضال زهدا في “طموع الدنيا”، بل لا يهمهم من السياسة والنضال إلا الريع والنفوذ. ولذلك يعتبر السباق إلى الحكومة والبرلمان سباقا إلى ريع المنصب وطمعا في المعاشات الاستثنائية. وقد عبر أحد الأحزاب السياسية عن لهفته إلى ريع الحكومة بمناسبة تشكيل الحكومة الحالية وضمن بيانه موافقته على دخول الحكومة رغم أن زعيم الأغلبية الحالية لم “يساومه” ولو مجاملة، لكنه سال لعابه من أجل الدخول إلى الحكومة لأن المنصب الوزاري يضمن المعاش الاستثنائي لصاحبه، ويضمن مناصب في الدواوين الوزارية للأتباع و يضمن حق صرف الميزانية بطرق ملتوية و حق توظيف بعض الأقارب و الأتباع بطرق ملتوية أيضا. لكن خيبة أمله كانت كبيرة رغم أنه هو من عرض نفسه.
و نحن في زمن الوسائط الاجتماعية، فالقادة الحزبيون يوظفون هذه المنابر للترويج لخطاب مبتذل حول النضال و خدمة الوطنية و أولوية الوطن، و هي كلها ادعاءات مزاعم و خزعبلات، بينما الواقع هو انها توظف كتائب من الذباب الإلكتروني للدعاية لنفسها من أجل ضمان موقعها و موقع الأقارب و الأتباع للاستفادة من الريع العمومي.
وهناك حالة معبرة جدا عن هذه السياسة تتعلق بناشط حزبي ينتمي لحزب معارض حاليا نشر على صفحته على فايسبوك صورة له و هو أمام الشباك الأوتوماتيكي و كتب تعليقا بأنه كان يستفيد شهريا من دعم من مالية الحزب لكي يسد حاجياته المعيشية لكن الحزب قطع هذا الشهر تلك المنحة بعد تطورات مؤتمره الأخير، و لذلك حرمه حتى من الإقامة بمقر وسط العاصمة. و يبرز لنا هذا المعطى أن تمة توظيف لهذه الكتائب بمقابل شهري لاقتحام وسائط التواصل الاجتماعي، و هي الكتائب التي ركزت على معاش بنكيران بينما تغاضت عن مسطرة صرف هذا المعاش والجهات المتدخلة فيه، كما أخفت، و ربما عن جهل، أسماء كثيرة مستفيدة من نفس المعاش، و منها أسماء تقدم و كأنها مناضلة زاهدة في الحياة و الريع بينما تستفيد من هذا الريع.
ومن المضحكات أن هناك من يتشدق بالوطنية والمواطنة و خدمة الوطن و يستفيد من ريع المنصب و الإكراميات و الأتاوات و الرشاوي و يرفض آداء ما بذمته من ضرائب و يقوم بممارسات فاسدة في المسؤولية، مثل ذلك المسؤول الذي يوجد حزبه في المعارضة و هو يغرف من ريع المسؤولية و يستغل النفوذ للتملص من حق الدولة عليه، مفضلا نهب الدولة التي منحته المنصب، و عدم آداء ما تستحقه من ضرائب. و لو كان ذلك الحزب جادا بالفعل ما كان ليكون في صفوفه فاسدون مثل هذا الرهط.
و لهذا يطرح هذا الواقع المتعلق بالمعاشات الاستثنائية صدور قانون بحذفها مثلما صدر قانون بحذف معاشات البرلمانيين.