الطرفاوي الزركي في رسالة مفتوحة إلى المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير
وجه الدكتور محمد سيدينا الطرفاوي الزركي رسالة مفتوحة إلى مصطفى الكتيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحري، يطالبه فيها بإعادة قراءة كتاب ” الصحراء ، أفول الشمولية ” مرة ومرة ومرة …. عسى أن تستيقظ لديه ملكة النقد الفكري، التي بدونها تأخذ المواقف والأطروحات والآراء أحجاما وحمولات لا يستوعبها المنطق السليم… وفي ما يلي نص الرسالة:
تحية واحتراما، وبعد
لقد شاركتم ، بالأمس القريب ، في حفل التكريم الذي نظم داخل قبة مجلس المستشارين وبحضور شخصیات تنتمي إلى الوسطين الجامعي والدبلوماسي ، والذي تم خلاله تقديم كتاب عنوانه ” الصحراء ، أفول الشمولية ” لصاحبه ” خوسي ماريا ليزونديا ” ولمعربيه : ” د . عبد الرحمان لعوينة – د . عبد الغني منديب ” . ويتعلق الأمر بكتاب يحمل على واجهته شعار واسم ” المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ” وكذا شعار واسم ” معهد الدراسات الصحراوية ـ الأندلس ” ، لمؤسسه السيد البشير الدخيل ، إلى جانب عبارة ” منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ” .
تضاف إلى هذه العناصر المادية والدالة على تبني المندوبية السامية للكتاب المذكور ، عناصر أخرى تفيد مدى ” تملككم ” الفكري لما ورد فيه من أطروحات وتحاليل ووجهات نظر ، وتؤكد عمق التماهي معها جميعها من خلال عبارات الثناء والاستحسان ومن خلال وصف محتواه با ” الماتع والنافع ” ( صفحة 10 ) ، وبأنه ” دعم قوي للمجهود الوطني لرفع تحدي القضية الوطتية والوصول بها إلى بر الأمان ” ( صفحة 10 ) ، كما جاء في فقرات التقديم الذي وضعتموه لهذا الكتاب .
السيد الدكتور المحترم
أطلب منكم ، بداية ، إعادة قراءة كتاب ” الصحراء ، أفول الشمولية ” مرة ومرة ومرة …. عسى أن تستيقظ لديكم ملكة النقد الفكري ، التي بدونها تأخذ المواقف والأطروحات والآراء أحجاما وحمولات لا يستوعبها المنطق السليم . وصورة ذلك أنكم لو استحضرتم هذه القاعدة لما توقعتم أصلا من أي كائن كان أن يوصل قضيتنا الوطنية إلى بر الأمان ، وأحرى أن تتوقعها من كاتب ينتمي إلى شعب ما فتىء يناصر أعداء وحدتنا الوطنية ، بينما لم يقدم هو نفسه أي الكاتب ـ أي عمل جاد ومفيد يكون شاهدا على ما تحمله من معانات وجهد من أجل هذه القضية ، وإنما اختار بمحض إرادته – أن يدرج إنتاجه الفكري – تجاوزا – ضمن جنس أو غرض أدبي معين ، هو فن الخاطرة أو طرح المحاولات الأدبية ، حتى لا تصيبه سهام النقد القاتلة ، كما اكتفى – بسلطان إرادته أيضا – بتحديد مادته فيما تستوعبه حوالي 100 صفحة ( 117 تحديدا ) ، وكأني به ولسان حاله يقول : قبائل الصحراء لا تستحق أكثر من هذا . ولعل هذا الاعتبار نفسه هو الذي يكمن وراء بسطه – أي الكاتب – لمواد متناثرة ومبعثرة ، تدور حول أربعة فصول ” اسبانيا والنزعة المركزية الأوروبية ” و ” الشمولية المتماثلة ” و ” الصحراء وجدلية الحضور والغياب ” وأخيرا ” من التراجيديا إلى الكوميديا ” ، وداخل كل فصل من هذه الفصول فتح الكاتب نوافذ على عوالم لا يربط بينها أي رابط منطقي . فعلى سبيل المثال ، فتحت النافذة الأولى التي تحمل عنوان ” الانهيار العاجل ” إشارة من الكاتب إلى انهيار الخصم – قيل هذا سنة 2017 – بسبب ظهور جماعات إرهابية بالغرب الإفريقي ، بينما فتحت النافذة الأخيرة ، وعنوانها ” مرحلة العزلة وبداية الاحتضار ” – قيلت هي أيضا سنة 2017 – وهي إشارة من الكاتب إلى احتضار الخصم بسبب تراجع دعم المجتمع الاسباني له ، وبينهما 28 نافذة أخرى أطل منها الكاتب على المسيرة الخضراء وعلى الأقاليم السبعة عشر غير المحكومة ذاتيا وعلى ثنائية المكون العربي والأمازيغي ومنطق التاريخ وحداثة عهد الصحراويين … إلى غير ذلك من النوافذ التي تفتح وتغلق دون أدنى تبرير ، إلى درجة تعذر معها تطبيق منهجية تحليل المحتوى للوقوف على خيط رفيع أو ناظم لهذه المادة . وبذلك فهو لم يقدم – أي الكاتب – ما يمكن التشفع له به لدى المستشارين والجامعيين والدبلوماسيين وكذا لدى الرأي العام الوطني والدولي . هذا فضلا عن كونه لا يسأل عن خواطره ، وإنما يسأل عنها مكانه السيد المندوب السامي الذي نشر وأذاع وروج ، على نطاق واسع ، لآراء ومواقف وأقوال ألحقت أضرارا أخلاقية وأدبية ومعنوية بالغة أحيانا بمن يعنيهم أمرها . وبه وجب إصلاح الضرر وجبره عند الاقتضاء .
السيد الدكتور المحترم
على إثر عرض كتاب ” الصحراء ، أفول الشمولية ” أمام مجلس المستشارين وبمدرج كلية الأدب بالرباط وكذا نشره ضمن سلسلة ” منشورات المندوبية السامية ” وما رافق كل ذلك من بيانات ومقالات صحفية وإذاعية ، تبين ، لكل من يهمه شأن الوطن عامة وشأن القبائل الصحراوية خاصة ، وجود عدة فقرات بين دفتي هذا الكتاب من شأنها أن تعرضكم للمساءلة ، نيابة عن هذه المؤسسة العتيدة ، وسيتم عرض هذه الحالات تبعا لورودها عبر صفحات الكتاب
. 1. نشرتم في الصفحة 56 من هذا الكتاب وذلك أثناء الحديث عن الأقاليم السبعة عشر غير المحكومة ذاتيا ، والتي تدير ملفها هيئة مختصة تابعة للأمم المتحدة ما يلي : ” لذا فإننا نعتقد أنه …… بات لزاما علينا التفكير بجدية في التشطيب على اسم الصحراء من هذه اللائحة ، بل إلغاء هذه الأخيرة برمتها ” .
من المؤكد أن نشر هذا الموقف سيلحق أضرارا جسيمة بقضيتنا الوطنية ، سواء من طرف الهيئة الأممية أو من طرف الدول المعنية بوضعية الأقاليم المشار إليها أعلاه . وهو على أية حال شأن يعني بالدرجة الأولى السلطة الحكومية المكلفة بالشؤون الخارجية . بينما تبقى المندوبية السامية مطالبة بالتشطيب على هذه الفقرة بدون قيد ولا شرط.
. 2 . أشرتم في الصفحة 101 ، وذلك بمناسبة الحديث عن المكون العربي والأمازيغي للقبائل الصحراوية إلى أنه ” كلما تعمق المرء في القراءة حول الصحراء كلما أدرك أنه لا وجود سياسي وتاريخي لها ” . مع بيان أن الأمر هنا لا يعني ” الصحراء ” بل القبائل الصحراوية التي تعيش فوقها ، والتي يفترض أن يكون لها وجود سياسي وتاريخي . وقد تكررت هذه العبارة نفسها في الصفحة 108 .
تجدر الإشارة هنا إلى أن ضررا جسيما كان سيلحق القبائل الصحراوية من جراء هذا التصريح ، فيما لو كان صادرا عن صاحب إدراك سليم . وصورة ذلك أن نفي البعدين السياسي والتاريخي – أي فن تدبير العلاقات الاجتماعية في صيرورتها الدائمة- عن القبائل الصحراوية يعادل إقصاء هذه الأخيرة من دائرة البشر ، مادام الإنسان يعرف بأنه ” مخلوق سياسي ” وما دام التاريخ هو بوتقة الزمان والمكان ، المحددين الأولين والمطلقين لوجود هذا الكائن السياسي .
والباقي . ؟ .. أضرب عنه قلمي وقال فيه لساني : اللهم ارفع عنا هذا البلاء . ، وهو ما قد يردده جميع أبناء القبائل الصحراوية عندما يبلغ إلى علمهم هذا الأمر.
. 3. نشرتم في الصفحة 115 من هذا الكتاب ، وذلك بمناسبة الحديث عن ترحال القبائل الصحراوية الذي رأيتم أنه يشبه الهيام في صحراء بلا حدود …. ” باستثناء عشيرة الثكنة التي استقرت بواحات درعة ” .
سيدي ، مكون تكنة ليس بعشيرة ولا يصح توطينه بواحات درعة . وإذا لم تتراجع عن هذا التصريح الناري ، فسيحاسبك أبناء تكنة ، وأنا واحد منهم ، حسابا عسيرا .
ولغايته وبالمختصر المفيد ، يتعين جبر هذا الضرر وذلك بإصدار” بيان حقيقة ” يوقعه الأعضاء المنتخبون ضمن المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير . يكون بمثابة شهادة يقدمونها بحكم معرفتهم لهذا المكون القبلي ، يثبتون من خلالها أن تكنة ليست عشيرة ، بل إنها أكبر من ذلك بكثير ، فهي توليف سياسي ، تكون بمنطقة وادي نون ، على شكل كونفدرالية ، جمع بين ” أيت عثمان – أيت بلا ” شرقا ، ( بلفه المكون من قبائل أيت أوسى وأزوافط وأيت ابراهيم وايت حماد ) و ” أيت الجمل ، غربا ، ( بلف يضم قبائل ازركيين وأيت لحسن ويكوت وأيت موسى وعلي ) ، وأنها ظلت لعهود طويلة ، بتكليف من الحكم المركزي وتعاون معه ، تحرس المنطقة الواقعة بين وادي نون شمالا وبوجدور غربا ، وأنها كانت حاضنة لقيادة وثكنات جيش التحرير في الخمسنيات من القرن الماضي ، كما انخرط أبناؤها ، منذ منتصف السبعينات ، ضمن الوحدات المكونة من أبناء الصحراء لدعم جنود القوات المسلحة الملكية في حربها ضد الانفصاليين ، وقد أبلوا البلاء الحسن بحكم معرفتهم لتضاريس الصحراء وتأقلمهم مع مناخها ، وبه الإشهاد.
. 4. هذا ، وفي سياق توطين بعض القبائل الصحراوية والتذكير بالمرتبة الاجتماعية لبعضها الآخر داخل مجتمع البيظان جاء في الصفحة 115 من منشور المندوبية السامية أنه على تخوم واحات درعة ” كانت تعيش قبيلة الرقيبات التي كانت أعظم القبائل قوة في إقليم الصحراء وأكثرها ولاء للمغرب ” ، وأن هيمنة العنصر العربي ، عبر الدين واللغة والثقافة ، ترسخت أكثر ” بعد توافد قبائل الشرفاء إلى المنطقة ” ( صفحة 119 ) ، مما أحدث شرخا في مكونات المجتمع الصحراوي كان له صدى على مستوى فصائل البوليساريو التي ” لا تقبل الجدل لكونها ترتكز على تهميش وازدراء لكل ما ليس عربيا ” ( صفحة 120 ) ، ” فالبوليساريو نظام أحادي لم يؤمن قط بالتعددية والاختلاف ، وهذا كان حال بطون القبائل التي ينحدر منها رواده وزعمانه – بدل زعماؤه – فهي فصائل عرف عنها تعصبها القبلي ورفضها لأي مظهر من مظاهر التخالط أو التهجين ، خاصة إذا تعلق الأمر بجماعات إثنية مخالفة كما كان حال القبائل الأمازيغية التي عانت الأمرين بسبب هذه النزعة القبلية . فالمنحدرون من الفصائل الأمازيغية كزناكة وازركيين تم تهميشهم ليشكلوا الطبقة الأدنى في السلم الاجتماعي ” ( صفحة 120 ) .
السيد الدكتور المحترم
عطفتم قبيلة ازركيين على قبيلة زناكة لأنكم تعتقدون أن هذه الأخيرة أكثر شهرة وإشعاعا من الأولى ، فجعلت منها مرجعا لكل من أراد أن يعرف موقع قبيلة ازركيين ضمن السلم الاجتماعي لقبائل البيظان ، إذ يكفيه أن يقيس أمرها على قبيلة زناكة .
هذا استنتاج مغرض ، وصورة ذلك أن الارتباط بين قبيلة زناكة وقبيلة ازركيين مصطنع ، بل ويخفي قسطا كبيرا من الدس و سوء النية … ودليلي لا يكمن في أني أتوفر على ما يفيد بأن نتائج الحمض النووي لفصائل زناكة وازركيين وأمازيغ لا تؤسس لأية قرابة بينها ، أو في أن لدي ما يفيد بأن هذه الفصائل الثلات لم يجمعها في التاريخ لا مكان ولا زمان …. ولكن فقط لأنني أعلم ، كما يعلم الجميع أن ” قبيلة زناكة ” لا توجد بين قبائل الصحراء ، ليس لأن أبناءها اختنقوا في الدرك الأسفل تحت أقدام قبائل ” الشرفاء ” ، بل لأنها لم توجد قط . وإذا كان لا بد من دليل ، فإني أحيلكم على الصفحة 52 من كراسة ” إحصاء 74 ” الذي أنجزته الإدارة العامة الاسبانية بالصحراء ( 30 يونيو 1975 ) ، فسوف لن تجدوا اسم قبيلة زناكة ضمن لائحة القبائل المحصية والبالغ عددها 54 قبيلة أو جماعة . ولكن ، بالمقابل ، ستجدون اسم قبيلة ازركيين بفروعها الثلاثة ( اشتوكة ، الكرح ، آيت سعيد ) إلى جانب إتلافها المكون من عدة قبائل أخرى وكذا الفصائل المنضوية تحت لواء تكنة الغربية ، المشار إليها سابقا . وقد ظل هذا الحلف يشكل قوة بشرية يمارس أنشطته على مساحات شاسعة تقع بين وادي درعة شمالا وبوجدور جنوبا ومرتفعات زيني غربا . كما ستجدون في نفس الكراسة الإحصائية أن أكبر نسبة لتمركز أبناء قبيلة ازركيين وائتلافها وفصائل تكنة الغربية التي هي جزء منها ، توجد بالمنطقة المشار إليها أعلاه . وبذلك تكون ، سيدي ، قد عطفت معلوما ( قبيلة ازركيين ) على مجهول ( قبيلة زناكة ) ، فحجب عنك هذا ذاك ، فغاب عنك الإدراك السليم ، بينما ثبتت نيتكم الهادفة إلى الإساءة إلى قبيلتي .
السيد الدكتور المحترم
ورغم ذلك يبقى إيماني راسخا بأن ما نشر باسم المندوبية لا يمكن أن يصدر عن المجلس الوطني لهذه المؤسسة العتيدة ، وذلك اعتبارا للروابط التاريخية التي تجمع بين أبناء القبائل الصحراوية و المقاومين وأعضاء جيش التحرير الذين نعول عليهم كثيرا من أجل دعم قضيتنا الرامية إلى وضع حد للأعمال الإدارية التي تقوم بها ، كل من الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية ومديرية أملاك الدولة – الملك العام ، في مادة تحفيظ العقار الذي ظلت تتوارثه القبائل الصحراوية لعدة قرون ، إلى أن اعتمدت هاتان المصلحتان ، منذ 1976 ، مسطرة جديدة للتحفيظ ، ترتب عنها ، من جانب ، حرمان القبائل الصحراوية من قسمة الإرث العقاري بين مكوناتها ، ومن جانب آخر ، حرمانها من التحفيظ المجاني للعقار الذي أمر به ملك البلاد . هذا ، ومن أجل توحيد العمل الإداري برسم هذه المادة على جميع مناطق المملكة ، بعثت برسالة مفتوحة إلى برلماني الأقاليم المسترجعة بمناسبة انعقاد الدورة الاستثنائية المخصصة لأراضي الجموع ، بهدف إدخال تعديل على إحدى مواده ، لتصبح بمقتضاه الأراضي المسترجعة أراضي جموع قبلية خاضعة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل على مستوى المملكة . إلا أنها بقيت صيحة في واد .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الدكتور محمد سيدينا الطرفاوي الزركي – التكني .