2021.. أزمات متتالية جعلت الاتحاد الأوروبي يمر باختبار صعب
بقلم: عفاف رزوقي
بعد عام 2020 الذي شكل وباء “كوفيد-19” عنوانه الأبرز وأدى إلى زعزعة الوحدة والتضامن الأوروبيين، لم يكن 2021 يسيرا على الاتحاد الأوروبي، الذي كان عليه، خلال السنة التي تشارف على الانتهاء، مواجهة الكثير من التحديات التي شكلت مصدرا للتوتر وأثارت التساؤلات حول النموذج الأوروبي.
فمنذ بداية 2021، واجه الاتحاد الأوروبي في حربه ضد الوباء، تحضيرا شاقا لانطلاق حملات التلقيح ضد فيروس “كورونا” بسبب التأخير في تسلم اللقاحات.
ومع إعلان شركات الأدوية عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتقديم اللقاحات، أثيرت شكوك في معظم الدول الأعضاء حول إمكانية تنفيذ حملات التلقيح الخاصة بها.
فقد أدى نقص اللقاحات، ومشاكل الإمداد، والانتقادات الموجهة لمنهجية شراء المفوضية الأوروبية للقاحات، إلى جعل شبح تفشي الوباء مجددا يخيم من جديد، حيث ساد منطق “كل واحد لمصلحته الخاصة”، على خلفية حرب الكمامات الواقية والمعدات الطبية والمطهرات الكحولية.
وأثار عدم اليقين بشأن مواعيد تسليم اللقاحات حفيظة حكومات الدول الأعضاء، التي زادت من حدة نبرتها ضد شركات الأدوية، حتى تحثها على احترام التزاماتها.
هكذا، وجدت مجموعة الأدوية السويدية-البريطانية “أسترازينيكا” نفسها بشكل خاص في قلب العاصفة، مع التأخير في تسليم اللقاحات الذي اعتبرته بروكسيل “غير مقبول”.
وبلغت هذه المواجهة بشأن تسليم اللقاحات ذروتها مع الإجراء القانوني للاتحاد الأوروبي ضد “أسترازينيكا”، التي اتهمتها بالفشل في الوفاء بتعهداتها بشأن تسليم لقاحها المضاد للكوفيد.
وردا على هذه الوعود المنقوضة من طرف المختبر السويدي-البريطاني، قرر الاتحاد الأوروبي تعزيز الرقابة على صادرات اللقاحات المضادة لفيروس “كورونا” المنتجة على أراضيه والموجهة إلى الدول الأجنبية، مشيرا بشكل خاص إلى المملكة المتحدة التي انتقدها لعدم احترامها مبدأ المعاملة بالمثل في مجال التصدير.
وأدت هذه المعركة حول تصدير اللقاحات إلى ظهور توترات بين لندن وبروكسيل، اللتين وبعد طلاق عسير، لم تتمكنا بعد من الإبقاء على علاقات ودية، على الرغم من الاتفاق الذي توصلا إليه لتأمين شروط الشراكة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي الواقع، لا تزال الخلافات قائمة بين لندن وبروكسيل حول تنفيذ بروتوكول أيرلندا الشمالية الذي يهدف إلى تجنب عودة الحدود المادية مع جمهورية أيرلندا، قصد الحيلولة دون تجدد الاضطرابات السياسية في هذه المنطقة، وذلك من خلال إبقاء أيرلندا الشمالية في الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.
وتتهم لندن هذا البروتوكول الأيرلندي الشمالي الذي تم التفاوض عليه كجزء من اتفاقية البريكست بأنه وراء صعوبات التوريد في المقاطعة البريطانية. وفي مواجهة هذا الخلاف، أعربت المملكة المتحدة عن رغبتها في تفعيل المادة 16 التي تسمح بتعليق بعض مقتضيات البروتوكول المذكور.
وحذر الاتحاد الأوروبي، عبر نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، ماروس سيفكوفيتش، من “العواقب الوخيمة” لتعليق بروتوكول إيرلندا الشمالية بالنسبة للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
وشدد المسؤول الأوروبي على أن تفعيل المادة 16 من البروتوكول المذكور، التي تسمح بتعليق بعض البنود “سيعني رفض جهود الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل توافقي لتنفيذ البروتوكول”.
وأدى الخلاف بين باريس ولندن بشأن منح تراخيص الصيد البحري، إلى إضعاف العلاقات لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي تكافح من أجل إيجاد أرضية مشتركة بخصوص عدد من القضايا الجوهرية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تميز العام الذي يشارف على نهايته، بارتفاع قياسي في التضخم بالاتحاد الأوروبي، مدفوعا على الخصوص بارتفاع أسعار الطاقة.
وأثار ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء في السوق الأوروبية مخاوف الحكومات الوطنية وبروكسيل، لاسيما مع اقتراب فصل الشتاء.
ودفعت هذه الزيادة القياسية في أعقاب الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة الكوفيد، دول الاتحاد الأوروبي إلى الاستجابة بسرعة لتخفيض فواتير المستهلكين ومساعدة الفئات الأكثر احتياجا، بينما يخيم شبح الهشاشة الطاقية على العديد من الأسر الأوروبية.
هكذا، كشفت المفوضية الأوروبية النقاب عن حزمة من الإجراءات تهدف إلى معالجة الارتفاع الاستثنائي في أسعار الطاقة العالمية، ومساعدة المواطنين والشركات في التكتل.
ويتعلق الأمر بتدابير قصيرة المدى تشمل دعما عاجلا لمداخيل الأسر، ومساعدات ممنوحة من طرف الدول للشركات وتخفيضات ضريبية مستهدفة.
وعلى المدى المتوسط والبعيد، راهن الجهاز التنفيذي الأوروبي على الانتقال إلى الطاقة النظيفة، قصد تحصين نفسه في المستقبل من أية أزمة طاقية محتملة والحصول على أفضل تأمين ضد رجات الأسعار.
ومن منطلق كونها قضية شائكة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، عادت الهجرة إلى الواجهة في العام 2021 على خلفية المواجهة مع نظام الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، المتهم بالتسبب في تدفق المهاجرين إلى الحدود الخارجية للاتحاد، بهدف الضغط على التكتل الذي فرض عليه عقوبات بعد إعادة انتخابه في غشت 2020.
وقد شجب الاتحاد الأوروبي “هجوما هجينا” من طرف نظام ألكسندر لوكاشينكو، وقرر تشديد العقوبات ضد بيلاروسيا واستهداف الأشخاص والمنظمات المتورطة في أزمة الهجرة هذه.
وفي ما يتعلق بالنداء الذي أطلقته 12 دولة أوروبية، بما في ذلك ليتوانيا والنمسا إلى الاتحاد الأوروبي، من أجل تمويل الدول الأعضاء الحدودية الراغبة في إقامة جدران ونصب سياجات شائكة قصد حماية حدودها، كررت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تأكيدها أن الاتحاد الأوروبي بإمكانه رصد التمويلات من أجل إدارة الحدود، توفير المعدات أو البنيات التحتية، لكن هناك اتفاق طويل الأمد بين المفوضية والبرلمان الأوروبي يتعلق بعدم تمويل الجدران أو منظومات الأسلاك الشائكة.
وبعد مواجهة تحديات صحية، سياسية، اقتصادية واجتماعية جمة خلال سنة 2021، سيواصل الاتحاد الأوروبي في 2022 محاولة الحفاظ على تماسكه، الذي تعرض لاختبار قاس من خلال تعاقب الأزمات وتزايد الخلافات بين بلدانه الأعضاء.