إقليم الجديدة.. حينما يزهق الجاني روح من أنجبته !!

قضية ركن “من أرشيف الجريمة في المغرب” لهذا الأسبوع، تنقلنا إلى إحدى الجماعات القروية التابعة لإقليم الجديدة، التي اهتزت في أحد أيام شهر يناير 2012, على وقع جريمة قتل بشعة ارتكبها رجل في عقده الرابع، وذهبت ضحيتها سيدة ستينية ذبحها من الوريد إلى الوريد بواسطة ساطور. هذه السيدة لم تكن سوى والدته حيث لم يكتف الجاني بإزهاق روحها بل كان ينوي تقطيع جثتها إلى أشلاء حتى يسهل عليه نقلها بهدف التخلص منها، لكن محاولته باءت بالفشل.. أما الدافع وراء ارتكاب جريمته النكراء في حق من أنجبته، كما جاء في اعترافاته للمحققين، هو تحميلها مسؤولية كل المآسي التي ألمت به ونغصت عليه حياته وحولتها إلى جحيم لا يطاق…

* إعداد: عبد الحفيظ محمد

جرت فصول هذه القضية في بداية شهر يناير من سنة 2012 بإحدى الجماعات القروية التابعة لإقليم الجديدة، حيث كانت تعيش أسرة مكونة من أب فلاح وأم ربة بيت، بالإضافة إلى خمسة أطفال، بنتين وثلاثة فتيان، كلهم راشدون.
وكان الابن البكر للأسرة المسمى (أ.س) في عقده الرابع، مطلق، وبدون أبناء ولا يتوفر على عمل قار. الأمر الذي جعل والدته المسماة (ه.ت) في عقدها السادس، تعتقد أن ابنها يعاني من أعمال السحر، الشيء الذي دفعها إلى إتهام زوجته السابقة بالوقوف وراء كل ما أصاب إبنها من مصائب.

هواجس مرضية

وللعثور على المبررات المناسبة لمواجهة أسئلة ونظرات جيرانها عما أصاب ابنها البكر، الذي بات منطويا على نفسه، فإن الأم (ه.ت) لم تكل من تكرار أن السحر المفترض الذي يعاني منه ابنها قد أثر مفعوله بشكل كبير على سلوكه إلى الحد الذي جعله شخصا منطويا للغاية، ويتجنب التواصل ليس فقط مع العالم الخارجي، ولكن أيضا مع أشقائه، وحتى مع والديه.
ومنذ أن حملت (ه.ت) هذه الفكرة تجاه فلذة كبدها، حتى جعلت من حالته قضيتها الأولى، وبدأت  تطوف به على مختلف مستوصفات ومستشفيات المنطقة، بالإضافة إلى الفقهاء والزوايا والأضرحة الأخرى للأولياء الصالحين المعروفين بأن لديهم إلهام رباني لمعالجة الأشخاص الذين يعانون من سوء نصيب ومن أعمال السحر.
وبعد أن تسلحت بما يكفي من معلومات حول هذه المسألة، تصرفت (ه.ت) كسيدة طيبة، وأم فاضلة بقسوة ضد ابنها البكر بطريقة كانت تحاول من خلالها إجباره لكي يتقبل بأنه مسحور حقا وأنه بحاجة ماسة للعلاج من هذا المرض الوهمي الذي كانت تريد أن يكون هو المرض الذي كان يعاني منه إبنها، ويمنعه من البحث عن عمل، ومن ربط علاقات مثمرة مع الناس، ويمنعه أيضأ من الزواج مرة أخرى لتكوين أسرة وإنجاب أطفال الذين يمكن أن يساعدوه عندما يشتد عودهم في الاشتغال في الحقول التي هي القسمة اليومية لأفراد هذه الأسرة.
وبما أن (أ.س) كان يعي جيدا حالته فإنه لم يتهاون في الإلحاح على والدته بأنه في صحة جيدة ولا يعاني من أية أمراض أو مس من جنون أو من سحر، وأنه إذا اختار أن ينكفئ قليلا على نفسه، فذلك ببساطة لأنه كان يرغب في هذا النمط من الحياة، والذي على كل الأحوال لا يزعج أحدا، ولن يصيب أي شخص بأذى.

مبررات منطقية

وعلى الرغم من أن المبررات التي قدمها (أ.س) منطقية ومعقولة، لكنها لم تكن مقنعة لأمه المهووسة بفكرة أن ابنها في حاجة ماسة بأن تقف إلى جانبه حتى تفسخ أعمال السحر القذرة المقترفة من قبل زوجته السابقة لأغراض لا تعرفها إلا النساء. لاسيما وأن ابنها غير قادر في رأيها للكشف بنفسه عن هذا المرض الذي يعاني منه وحيث أن شفاءه الآن بات من مسؤوليتها باعتبارها هي التي ولدت هذا الطفل العليل.
ومن هنا، فقد أخذت على عاتقها شرف مواصلة مشروعها العلاجي في هذا الاتجاه حتى يتحقق شفاؤه على الرغم من الممانعة الشرسة التي يبديها المعني بالأمر…

فهل تمكنت الأم من التحكم في مصير ابنها؟
فعلى مدى ثلاث سنوات طوال، لم تكل هذه الأم من مرافقة ابنها في بعض الأحيان إلى المستشفى الإقليمي بالجديدة حيث كانت تأخذ له موعدا لعرضه على الطبيب النفسي، وأحيانا لدى مختلف الزوايا المجاورة، وأحيانا أخرى لدى الفقهاء المتخصصين في طرد الأرواح الشريرة أو على الأقل يعتبرون نفسهم كذلك.
إلا أن هذه الجهود المتكررة للأم يبدو أنها لن تؤد إلى أي نتيجة تذكر، لأن حالة “المريض” إبنها لم تتحسن كثيرا، وعلى الرغم من ذلك فإن المرأة لم تيأس أبدا.
وفي صباح ذلك اليوم المشؤوم من شهر يناير 2012 ، كانت أجندة الأم تتضمن القيام بمعية ” مريضها” بزيارة إلى زاوية سيدي مسعود، التي تبعد بحوالي 10 كيلومترات من مكان إقامتهما.
وحتى قبل أن ينتهي (أ.س) من تناول وجبة الإفطار، انتصبت والدته أمام باب غرفته الوحيدة الموجودة في الطابق الأرضي من المنزل الذي تقطنه الأسرة. ومن داخل الغرفة توسلها ابنها بأن ننتظر قليلا، لكنها أبدت نوعا من الحزم، بدعوى أن العربة التي كان مقررا أن تنقلهما إلى محطة سيارات الأجرة الكبيرة التي تستغل الوجهة المطلوبة، لا يمكنها أن تنتظرهما طويلا، وبالتالي فإن أي تأخير سيعرضهما إلى التأخر عن الرحلة.

بركان غضب

أمام إصرار الأم بعدم الرضوخ لرغبة إبنها البكر في منحه المزيد من الوقت لتسوية بعض أموره الشخصية مخافة التأخر عن موعد الرحلة، وإصرارها أيضا بعدم الاستجابة إلى توسلاته، اجتاحت (أ.س) نوبة غضب حادة إلى حد الجنون.
وقبل أن يفتح باب غرفته في وجه والدته، استولى على ساطور كان يرتبه ضمن أغراضه. وبحركة قوية جرها إلى داخل الغرفة وأغلق بابها بالمفتاح، وبدأ في توجيه سيل من الطعنات إليها بشكل عنيف قبل أن يذبحها حتى الوريد كالشاة وهي تصيح بكل ما أوتيت من قوة طلبا للنجدة.
وصل صراخ الأم الضحية إلى مسامع إبنتها الصغرى (ز.س) التي لم تفلح رغم محاولاتها غير المجدية لإقناع شقيقها الأكبر لفتح باب غرفته وتحرير “رهينته”، لكنه لم يستجب لتوسلاتها حيث ظل منغمسا بالفعل في مجزرته البشعة.

وبالرغم من الذهول واليأس الذي أصاب الفتاة لتخليص والدتها من قبضة شقيقها البكر، وبالرغم أيضا من قلقها البالغ حول مصير أمها، فإنها أخذت المبادرة بتبليغ مصالح الشرطة بكل ما سمعت موضحة بأن والدتها كانت لاتزال دائما ضد إرادتها في غرفة أخيها (أ.س) حيث سمعت صرخات استغاثة قبل أن يسود الصمت التام.
وعند وصول مصالح الشرطة وعناصر من الوقاية المدنية، رفض الجاني رفضا قاطعا فتح باب غرفته محذرا “المفاوضين” بأنه مسلح بواسطة ساطور، وأنه قد لا يتردد لحظة في استخدامه ضد كل من قد يحاول الاقتراب منه.
وفي الوقت الذي كانت فيه ” المفازضات ” جارية مع (أ.س) لكي يسلم نفسه طواعية، كانت عناصر الشرطة تضع اللمسات الأخيرة لخطة عمل التي اكتملت. وبعد مرور نصف ساعة من المفاوضات غير المثمرة، تم إعطاء الأمر باقتحام الغرفة حيث أسفرت العملية من السيطرة على الجاني وهو لا يزال مشهرا سلاحه الأبيض، الذي استعمله في تنفيذ جريمته النكراء، حيث تم توقيفه بعد شل حركته.

حقائق مرة

هذا، وقد كشفت معاينات مسرح الجريمة أن جثة الضحية بالإضافة إلى ذبحها من الوريد إلى الوريد، فإنها كانت تحمل جروحا غائرة.

وفي رده على استجواب الشرطة بخصوص تلك الجروح، لم يخف (أ.س) أنه كان ينوي قبل مجيء شقيقته ووصول الشرطة تقطيع جثة والدته إلى أجزاء صغيرة حتى يسهل نقلها للتخلص منها ودفنها بعيدا عن دوارهم حتى يبعد أي شبهة ضده، كما كان يعتقد.

وكما جاء في اعترافات المعني بالأمر بشأن الدافع وراء ارتكاب جريمته، أنه كان يحمل والدته مسؤولية كل التعثرات التي شابت حياته، إن لم يكن كل الاخفاقات التي عانى منها، لأن هذه الأخيرة كانت متسلطة ومحبة للتملك ولا تمتنع أبدا من التدخل في كل جانب من جوانب حياته إلى درجة تجعله يصاب بالاختناق محولة إياه إلى مجرد منفذ بسيط وغير قادر على اتخاذ أي مبادرة أو التحليق بجناحيه.

وأضاف أن وضعه حدا لحيات أمه وحتى بهذه الطريقة الأكثر وحشية، على حد تعبيره، فإنه شعر بأنه تحرر من هذه الوصية الثقيلة والمذلة.

سيقول البعض بخصوص هذا القضية، بأنه لا يمكن لشخص عادي أن يجرؤ أبدا على محاولة إزهاق روح الإنسان الأكثر قدسية بالنسبة إليه في العالم ألا وهي أمه…
ومن دون الكثير من الجدل حول هذه المسألة، فإن الإجابة ستكون بالاحرى في مكان آخر، أي حول ما إذا كان مجنونا حقا أو كان شخصا غير طبيعي؟ فلماذا إذن خطط لعملية تقطيع جثة والدته وتحويلها إلى قطع صغيرة بهدف التخلص منها، قبل أن يتوقف عن غير قصد جراء التدخلات المتعاقبة لأخته الصغيرة وبعد ذلك الشرطة، كما اعترف هو نفسه بذلك إلى المحققين؟

لأنه بكل بساطة كان يخشى على سلامته وحريته. والحال أن، الشخص المخثل قد لن يفكر منطقيا أبدا في القيام بمثل هذه الحسابات، لأن التوقيف والسجن لا يضيفان له الكثير لأنهما لا يعنيان الكثير بالنسبة إليه. والحقيقة هي أننا أمام أحد المجرمين الدمويين يحمل جينات إجرامية التي تحتاج فقط لعنصر يحركها لتخرج من عقالها في واضحة النهار.

فعندما تجاوزت والدته من خلال سلوكها مقتحمة في اتجاهه الخطوط الحمراء التي حددها لنفسه، فقد أيقظت في داخله الأرواح الشريرة التي جعلته يتصرف بهذه الطريقة الحقيرة والأكثر طيشا حتى يزهق روح تلك التي حملته بين أحشائها تسعة أشهر تم أنجبته قبل 41 سنة…

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.