مراكش، جوهرة السياحة العالمية: وكالة الأسوشيتد برس تبرز تألق المدينة الحمراء في شتاء 2025
الزوبير بوحوت
أعدّت وكالة الأنباء الأمريكية أسوشيتد برس (Associated Press) تقريرًا ميدانيًا خاصًا عن مدينة مراكش في مطلع شتاء 2025، مسلّطة الضوء على الدينامية الاستثنائية التي يعيشها القطاع السياحي في هذه المدينة الأسطورية.
مع اعتدال درجات الحرارة وتسلل الضوء الذهبي بين أسوارها العريقة، تواصل مراكش تأكيد مكانتها كوجهة سياحية أولى في المغرب. فمن أعلى شرفات ساحة جامع الفنا، يبدو المشهد لوحة نابضة بالحياة: عربات الخيول تصطف على إيقاع الأصوات، باعة العصائر ينادون الزبائن، موسيقيون وحكواتيون يملؤون الأجواء بإيقاعاتهم، وحشود من الزوار من مختلف أنحاء العالم يتجولون في ساحة لا تهدأ.
هذه الأجواء، التي صنّفتها منظمة اليونسكو تراثًا إنسانيًا عالميًا، تعكس الحيوية الفريدة لموسم سياحي استثنائي بدأ بقوة هذا العام.
في التقرير، عبّر السياح عن انبهارهم العميق بجمال المدينة ودفء أهلها. تقول سيلفيا سانافريا، وهي سائحة من الأوروغواي: «جئت إلى المغرب بأمل كبير، وكان حلمي زيارة مراكش، لكن الواقع فاق كل توقعاتي. أحببت كل شيء: الناس، الأسواق، والأجواء الرائعة. سأوصي الجميع في بلادي بزيارة هذا المكان الساحر». في محيطها، يتجول السياح من الصين وأوروبا وأمريكا اللاتينية بين أزقة المدينة القديمة، تملؤهم الدهشة من تنوع الثقافة المغربية وكرم الضيافة الذي يميز سكانها، كما تشير التقارير إلى تزايد أعداد السياح القادمين من آسيا، خصوصًا الصين، بفضل الرحلات الجوية المباشرة وتسهيل إجراءات التأشيرات، وهو ما يعكس انفتاح السوق السياحية المغربية على وجهات جديدة بعد أن كانت تعتمد أساسًا على أوروبا.
ومن بين السياح الذين تحدثت إليهم الوكالة، تقول غابرييلا روخاو من ألمانيا: «سافرنا إلى ورزازات، الصويرة، الرباط وفاس، وسنتوجه قريبًا إلى إرفود والصحراء لنشاهد السماء المرصعة بالنجوم. المغرب بلد ساحر ومتعدد الوجوه، وشعبه ودود للغاية». هذه الرحلات المتنوعة التي تجمع بين المدن التاريخية والمناطق الصحراوية والساحلية تُظهر كيف أصبح المغرب وجهةً مفضلة للسياحة الثقافية والتجريبية.
وفي قلب المدينة القديمة، تتوقف كاميرا أسوشيتد برس عند تجربة الإقامة في الرياضات التقليدية، التي أصبحت رمزًا للضيافة المغربية الأصيلة. في احد الرياضات ، يقول مديره عبد الله أنسيكن: «هذه الفترة تُعتبر من أهم المواسم السياحية في السنة. جميع الغرف محجوزة بالكامل، وهناك ضغط كبير على الخدمات كالنقل والجولات السياحية، لكنه ضغط إيجابي يعكس حيوية الموسم».
يُستقبل الزوار بالشاي المغربي بالنعناع والحلويات التقليدية، في أجواء هادئة تنضح بالأصالة. وتقول كريستينا بون، وهي سائحة من هولندا جاءت مع أسرتها: «إنه وقت رائع من السنة. الناس لطفاء جدًا، نشعر بالأمان، والطعام مذهل. نحن محظوظون لوجودنا هنا». وتشير البيانات الرسمية إلى أن عدد الرياضات في مراكش يفوق 1500، مما يجعلها رافدًا اقتصاديًا مهمًا للمدينة ومصدر رزق للعديد من الحرفيين والعمال المحليين.
ولا يغيب عن التقرير الوجه العصري للمدينة، حيث تسلط الوكالة الضوء على شارع “إم أفينيو” (M Avenue) الذي يمثل مراكش الحديثة بانفتاحها وأسلوبها الراقي. فبين المطاعم الراقية والمتاجر العالمية والمعارض الفنية، يجد الزوار تجربة مختلفة تمامًا عن أجواء المدينة القديمة. وتوضح صوفيا التمّار، مديرة التسويق في “إم أفينيو”: «نستقبل أعدادًا كبيرة من السياح هذا الموسم، معظمهم يبحثون عن تجربة جديدة بعد اكتشاف سحر المدينة العتيقة. إم أفينيو تقدم وجهًا حديثًا وأنيقًا للمغرب». وقد أصبحت هذه المنطقة مقصدًا مفضلًا لزوار الخليج، خصوصًا من الإمارات والسعودية، بفضل مرافقها الفاخرة وأجوائها الآمنة والعصرية.
وتعزز الإحصاءات الرسمية هذا الزخم، إذ تؤكد وزارة السياحة المغربية أن عدد الزوار ارتفع بنسبة 15٪ بين يناير وغشت 2025 مقارنة بالفترة نفسها من 2024، بينما ارتفع عدد ليالي المبيت بنسبة 10٪. وتبقى مراكش المحرك الرئيسي لهذه الطفرة، حيث تمثل وحدها 35٪ من النشاط السياحي الوطني وتسجل نحو 10 ملايين ليلة مبيت سنويًا. ويقول الخبير السياحي الزوبير بوحوت في حديثه للوكالة: «يشهد القطاع السياحي ازدهارًا كبيرًا و مراكش تطور بنياتها التحتية لتستجيب لمتطلبات سياح يبحثون عن تجارب فاخرة، من فنادق خمس نجوم ومطاعم راقية إلى محلات تجارية متميزة».
ورغم هذا النجاح، تواجه المدينة تحديات تتعلق بازدحام المرور والضغط على الخدمات والبنية التحتية، ما دفع السلطات المحلية إلى اعتماد مخطط مراكش 2030 الذي يهدف إلى تحسين النقل الحضري وإنشاء مناطق مخصصة للمشاة وتعزيز السياحة المستدامة.
يختتم تقرير أسوشيتد برس صورته لمراكش كمدينة تجمع بين الأصالة والتجديد، بين سحر الماضي وحداثة الحاضر. فمن صخب ساحة جامع الفنا إلى أناقة شارع إم أفينيو، ومن دفء الرياضات التقليدية إلى بريق المراكز العصرية، تظل المدينة الحمراء وجهةً لا تُقاوم، تجمع بين التراث المغربي العريق وروح الانفتاح العالمي. وفي شتاء 2025، وتحت سماء صافية وإشراقة شمس دافئة، تواصل مراكش تأكيد مكانتها كعاصمة السياحة المغربية وأحد أبرز المعالم السياحية في العالم.