بعد قرار مجلس الأمن التاريخي.. ما هي الخطوات المقبلة في ملف الصحراء؟
معكم 24
يأتي قرار مجلس الأمن الدولي في لحظة مفصلية، بعد مرور نصف قرن على النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، مما جعله يوصف بالقرار التاريخي. فما مصير المنطقة؟ وهل يتفق الأطراف قريبا على تفعيل ما جاء في القرار؟
ما الذي يجعل قرار مجلس الأمن منعطفا تاريخيا؟
بالعودة للتاريخ، يعتبر القرار لبنة أساسية لإنهاء نزاع بدأ منذ 1975، بعد انسحاب إسبانيا التي كانت تستعمر المنطقة، أي أنه استمر نصف قرن كانت بدايتها بحرب دامت عقدا ونيف، وكان سببا رئيسيا في جمود سياسي وإفشال مشروع اتحاد المغرب العربي، وإغلاق للحدود سنة 1994 بين المغرب والجزائر البلدين الجارين يكلف كلا منهما خسائر كبيرة على المستوى الاقتصادي.
لطالما تمسك المغرب بالصحراء كجزء من أراضيه، بينما طالبت البوليساريو باستقلال الإقليم، بدعم كامل من الجزائر ودور تأسيسي من قبل نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مما جعل التفاوض على حل في مختلف مراحل النزاع أمرا شائكا للغاية.
وبعد عقود من مساعي الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، يأتي التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي يوم 31 أكتوبر 2025 بإقرار الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب كأساس لتسوية النزاع محطة مهمة أيضا. كما أوضحت نتائج التصويت على القرار تغييرات جذرية في مواقف دول كبرى دائمة العضوية، خاصة التي كانت ضد مقترح الحكم الذاتي الذي يتشبث به المغرب، والذي يمثل بالنسبة للكثير من المحللين حلا قابلا للتطبيق وطريقا نحو تعزيز فرصة الاستثمار في المنطقة والتنمية الاقتصادية لبلدانها. كما أن عدم مشاركة الجزائر في التصويت عوض التصويت بالرفض، اعتبر بالنسبة لمراقبين مؤشرا لما يمكن أن يكون تغييرا في المزاج الجزائري من الصراع، الذي زادت حدته في السنوات الأخيرة.
من بين هؤلاء، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، قائد شرطة جبهة البوليساريو سابقاً المنفي إلى موريتانيا منذ 30 نوفمبر 2010 بسبب دفاعه عن الحكم الذاتي كحل للصراع، والذي اعتبر أن “مضمون خطاب الملك محمد السادس، إضافة لتعقيب مندوب الجزائر على قرار مجلس الأمن، وأيضا بيان البوليساريو حول القرار، توضح أن الجميع ترك الباب مفتوحا للحوار”.
المتحدث الذي خبر الجبهة من داخل أهم أجهزتها، اعتبر أيضا في منشورات متتالية له، على منصات التواصل الاجتماعي، عقب التصويت، أن “التدخل الأمريكي المنتظر لا شك سيكون له دور كبير في تقليص الفجوات، وطي صفحة الخلاف، وأن عدم تصويت الجزائر بالقبول أو الرفض موقف في حد ذاته”. واعتبر المتحدث أنه “ليس من مصلحة الجزائر ولا البوليساريو تفويت فرصة الزخم الحالي للوصول إلى تسوية مشرفة، فالوقت في صالح المغرب الذي ضمن ما يريد”.
واعتبر المغرب قرار مجلس الأمن الدولي “انتصارا تاريخيا” كونه يكرس رؤيته بأن الإقليم جزء من أراضيه، ويعزز وضعه من الناحية الواقعية كونه يبسط نفوذه على معظم مناطق الإقليم. وخرج آلاف المغاربة في مدن الصحراء والعاصمة الرباط للاحتفال إثر صدور قرار مجلس الأمن.
ما هو مضمون الحكم الذاتي في الصحراء؟
ينص مشروع الحكم الذاتي، الذي استند إليه قرار مجلس الأمن الدولي، على نقل جزء من صلاحيات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى “جهة الحكم الذاتي للصحراء” ليدبر سكانها “شؤونهم بأنفسهم” بـ”شكل ديموقراطي”، بينما تحتفظ الرباط بصلاحياتها المركزية “في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية “.
وتمارس جهة الحكم الذاتي، حسب الخطة، اختصاصاتها التنفيذية من خلال “رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي، وينصبه الملك”. بينما يتكون البرلمان الجهوي من أعضاء “منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية”، وآخرين “منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة”.
ويشير المشروع إلى أنه “يجب أن تكون القوانين التشريعية والتنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة”. وتختص مؤسسات الإقليم عموما بتدبير ميزانيتها الخاصة والجبايات المحلية، وشؤون التنمية الاقتصادية والبنى التحتية والخدمات الاجتماعية.
في المقابل تحتفظ الدولة المركزية بالصلاحيات السيادية، مثل الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية، فضلا غن مقومات السيادة مثل العلم والنشيد الوطني والعملة، بالإضافة إلى المجال الديني.
وذكر الخطاب، الذي ألقاه الملك محمد السادس فور إعلان التصويت على القرار، أن المملكة ستفصل مبادرة الحكم الذاتي فورا عملا على التسريع في تطبيقها. وجاء في نص الخطاب: “وفي سياق هذا القرار الأممي، سيقوم المغرب بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وسيقدمها للأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”.
كيف ستكون المفاوضات على الحكم الذاتي؟
ينص قرار مجلس الأمن الدولي على إجراء مفاوضات بين الطرفين الأساسيين المغرب والبوليساريو، بمشاركة الأطراف الأخرى، أي الجزائر وموريتانيا بصفة ملاحظين. كانت أولى الخطوات بعد التصويت على القرار مغربية، وهي ما يصفها المحللون سياسة “اليد الممدودة” التي تنتهجها المملكة في هذا الملف. إذ دعا العاهل المغربي اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف (جنوب غرب الجزائر) للانخراط في الأمر قائلا في خطابه: “وفي هذا السياق، نوجه نداء صادقا لإخواننا في مخيمات تندوف لاغتنام هذه الفرصة التاريخية لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، وفي تنمية وطنهم، وبناء مستقبلهم في إطار المغرب الموحد”.
أما الجبهة التي كانت قبل القرار “مستعدة للحوار” ولا تمانع الحكم الذاتي شرط موافقة الصحراويين، فقد نشرت بعد التصويت بيانا أكدت من خلاله “تمسك الشعب الصحراوي بحقه غير القابل للمساومة في تقرير المصير والاستقلال”. بيد أن المحللين لا يرون في هذا البيان عدم رغبة في الانخراط في المفاوضات، بل محاولة للضغط لأجل الحفاظ عل شروط الجبهة خلالها.
عن “صوت ألمانيا” بتصرف.