الهيئة الوطنية للنزاهة تقترح تعديلات جوهرية على قانون المسطرة الجنائية لتعزيز مكافحة الفساد
- متابعة: هيام بحراوي
في خطوة تعكس التزامها الراسخ بتعزيز الشفافية والنزاهة، كشفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها عن مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية، وذلك في إطار مساهمتها في مشروع القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
وتسعى الهيئة من خلال هذه التوصيات إلى تقوية آليات البحث والتحقيق في جرائم الفساد، وتوفير الحماية القانونية للمبلغين، إلى جانب ملاءمة النصوص الوطنية مع الالتزامات الدولية للمملكة في مجال مكافحة الفساد.
واقترحت الهيئة إدراج مقتضيات صريحة تكفل التنسيق بين النيابة العامة والهيئة في معالجة الشكايات والإبلاغات، فضلاً عن توسيع آليات حماية المبلغين عن الفساد والشهود والخبراء والخبرات، على نحو يضمن فعاليتهم ويحميهم من الانتقام أو التعسف.
توصيات استراتيجية لتعزيز النجاعة القضائية
في مقدمة التعديلات المقترحة، دعت الهيئة إلى إعادة النظر في نظام التقادم المطبق على جرائم الفساد، وذلك من خلال تعديل تاريخ بدء احتساب التقادم ليُحتسب من لحظة اكتشاف الجريمة بدلًا من تاريخ ارتكابها. كما اقترحت الهيئة إمكانية استثناء بعض جرائم الفساد من مبدأ التقادم كليًا، بالنظر إلى تعقيدها وطبيعتها المتخفية.
ومن التوصيات اللافتة أيضًا، تعزيز حماية المبلغين عن جرائم الفساد من خلال إدراج مقتضيات صريحة داخل قانون المسطرة الجنائية، تضمن عدم تعرضهم لأي انتقام أو تضييق جراء كشفهم لمخالفات.
كما شددت الهيئة على ضرورة توسيع صلاحيات قاضي التحقيق في هذا النوع من القضايا، بما يُمكّنه من مباشرة تحقيقات موسعة وشاملة تتلاءم مع طبيعة الجرائم الاقتصادية والمالية.
غياب التفاعل الحكومي يثير تساؤلات
ورغم أهمية هذه التوصيات، عبّرت الهيئة عن أسفها لغياب التفاعل الإيجابي من طرف الحكومة، حيث تم الأخذ بتوصية وحيدة فقط من بين المقترحات المقدمة.
وقد وجه محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، انتقادات لاذعة لمضامين مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، معتبراً أن الصيغة الحالية للمشروع لا تفي بمتطلبات الملاءمة التشريعية مع المعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، ولا تعكس حجم الالتزامات الدستورية والاتفاقية التي تعهد بها المغرب.
واعتبر رئيس الهيئة ، أن مشروع القانون يجب أن يُصاغ في ضوء الالتزامات الدولية للمغرب، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، إلى جانب استحضار ما جاء به دستور 2011 من توجيهات صريحة حول تخليق الحياة العامة وإرساء مبادئ النزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي الوقت ذاته، دعا بنعليلو إلى إعمال توازن دقيق بين مقتضيات مكافحة الفساد وضمانات المحاكمة العادلة، وفي مقدمتها صيانة قرينة البراءة كحق أصيل ينبغي ألا يُمَسّ تحت أي مبرر، مشدداً على أن دولة القانون تُبنى على ثنائية الإنفاذ العادل للقانون واحترام الحقوق الفردية.
انسجام مع الالتزامات الدولية
وأكدت الهيئة في معرض تقديمها لهذه المقترحات، على ضرورة احترام التزامات المغرب الدولية، لا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تنص على توفير آليات فعالة للتبليغ والتحقيق، وتشجع على حماية المبلغين وتعزيز الشفافية القضائية.
ويُنتظر أن تثير هذه التوصيات نقاشًا واسعًا داخل البرلمان وأوساط المجتمع المدني، بالنظر إلى ما تمثله من رهانات تتعلق بالحكامة الجيدة وتعزيز الثقة في مؤسسات التشريعية.