الجباري يكتب : بيت الزوجية في مدونة الأسرة .. ومسؤولية الدولة
كتب الأستاذ عبد الله الجباري، تدوينة على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي، “فايسبوك” تحت عنوان بيت الزوجية في مدونة الأسرة .. ومسؤولية الدولة ، هذا نصها:
بعد طول انتظار، رشحت الخطوط العريضة للإصلاح المرتقب لمدونة الأسرة المغربية، وأبرزت الحكومة بعض هذه التعديلات، ومنها ما أسموه “إيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة”، وهو ما اصطلح عليه وزير الأوقاف بالعمرى الواجبة.
والعمرى كالوصية، تعد من العقود التبرعية غير اللازمة وغير الواجبة، لكن فقهاء وقانونيي بعض الدول الإسلامية ابتدعوا تخريجة “الوصية الواجبة”، واليوم نبتدع تخريجة “العمرى الواجبة”.
ونظرا لأن هذا المفهوم حادث وطارئ ومبتدع، فإنه من السائغ أن يثار حوله لغط كبير وكثير، خصوصا أن الجهات المكلفة بالتشريع لم تصغه بعد في قوالب قانونية ومواد قابلة للتنزيل والتطبيق.
ومن اللغط الحاصل حول هذا التعديل أن بيت الزوجية استثني من التركة وصار ملكا للزوج الباقي، وهذا من الافتئات والتقول على أصحاب المشروع.
ومعنى إيقاف بيت الزوجية، أي تجميده وعدم إدراجه ضمن التركة التي ستقسم حالا، واستمرارية حق الانتفاع به للزوج أو الزوجة إلى أجل معين، مع استمرار ملكيته لجميع الورثة دون استثناء، واقتسامهم له لاحقا.
ولتطبيق هذا التعديل، لا بد من تصوره كما أسلفنا أولا، ولا بد من مناقشة بعض تفصيلاته لوضع قيود وتدقيقات تضمن تحقيق المصلحة أثناء التطبيق.
مفهوم بيت الزوجية.
استعمل أصحاب المشروع عبارة “بيت الزوجية”، ومعلوم أن بيت الزوجية هو البيت الذي يتخذه الزوجان مسكنا لهما أثناء الحياة، وهذا البيت قد يكون:
1 ـ في ملك الزوج.
2 ـ في ملك الزوجة.
3 ـ في ملك الزوجين.
4 ـ جزء منه في ملك الزوج أو الزوجة والباقي في ملك بعض الورثة.
5 ـ جزء منه في ملك الزوج أو الزوجة والباقي في ملك غير الورثة.
6 ـ غير مملوك لأي واحد من الزوجين، إما عاريةً من جهة ما، أو ينتفعان به عن طريق الكراء.
فأي نوع من هذه الأنواع يقصد أصحاب هذا المشروع؟
إذا كان البيت في ملك أحد الزوجين، ولما مات ترك الزوج الآخر مع أبنائهما، وكلهم في تفاهم وانسجام، فإن المشكلة غير مطروحة من الأصل، لكن، إذا كان البيت في ملك الزوج وترك زوجته مع ربائبها، أو كان يُسكن معه أمه أو والديه أو أحد إخوته، أو إذا كان البيت في ملك الزوجة، ولما ماتت تركت زوجها مع ربائبه، أو كانت تُسكن معها أمها أو إخوتها، فكيف نتعامل مع هذه النازلة؟ وهل يحق لأحد الزوجين إخراج الباقين من البيت؟
إذا كان المشرع يستحضر مصلحة أحد الزوجين، فيجب الا يغفل مصالح الأطراف الأخرى، وليس أحدهم أولى من الآخر، “لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا”.
وإذا كان بيت الزوجية مشتركا بين عدد من أفراد الأسرة، ونقدم مثالا لذلك: شخص يمتلك الربع في بيت، ويمتلك ابنه النصف، وتمتلك بنته الربع الآخر، ومات ذلك الشخص، فهل يحق لزوجته الانفراد ببيت الزوجية كما صرح المشروع التعديلي للمدونة؟ وإذا كان انتفاع الزوجة عن طريق “العمرى الواجبة”، فمَن المعْمِر؟ هل الزوج وشركاه؟ أم أن الزوجة ستنتفع بالربع فقط؟ أم يحق لها إخراج الورثة/الشركاء رغم ملكيتهم لأن العقار المذكور ينطبق عليه مفهوم “بيت الزوجية”؟
ولكي يكون المشرع منسجما مع نفسه، فإنه يجب عليه أن يراعي مصلحة أحد الزوجين ولو في حالة الكراء. بمعنى إذا مات أحد الزوجين وكان مالكا للبيت فإننا نستحضر مصلحة الطرف الأخر على حساب الورثة الآخرين، وإذا مات أحد الزوجين وترك “بيت الزوجية” الذي كان يسكنه عن طريق الكراء، فإن الدولة ملزمة باستحضار مصلحة الطرف الباقي، وأن تبقيه في بيت الزوجية وتؤدي واجب الكراء نيابة عنه، ليتحقق مفهوم الدولة الاجتماعية أولا، ولتطَّرد دعوى مراعاة المصلحة ثانيا.
بمعنى، إذا أبقينا أحد الزوجين وحرمنا الورثة صيانة له من الضياع ومغادرة بيت الزوجية، فإننا يجب أن نبقيه في بيت الزوجية وأن نصونه من الضياع ولو كان في بيت الكراء، وعلى الدولة أن تسدد سومته، ومن المعيب أن تفرض الدولة على الورثة أن يتحملوا تبعات وفاة أبيهم أو أمهم، ولا تتحمل هي مسؤولية وفاة أحدهما في حالة الكراء.
وإذا لم تفعل ذلك، فكأنها تقول: إذا مات أحد الزوجين المالك لبيت الزوجية، فعلينا صيانة الطرف الآخر من الضياع، وإذا مات أحد الزوجين المكتري لبيت الزوجية، فلا يجب علينا صيانة الطرف الآخر من الضياع.
الدولة إذا وجدت من تُحمِّلهم المسؤولية لا تتردد، وإن لم تجد من تُحَمِّله المسؤولية ترجع إلى الوراء وتتفرج. بخلاف الدول الأوربية التي تحترم مواطنيها، فإنها تسهم معهم في السومة الكرائية، وتوفر لهم مساكن في ملكية الجماعة بسومة كرائية منخفضة، وتسهم معهم في واجبات الكهرباء والماء والغاز، وتقدم مساعدات أخرى، فأين الدولة المغربية من هذا؟