شريط الأخبار

أي قانون لتنظيم حق الإضراب في المغرب؟

بقلم :*الأستاذ احمد ابادرين 

مرت أزيد من أربعين سنة على دستور المغرب لسنة 1962 الذي يحيل على القانون التنظيمي الذي سينظم حق الإضراب دون أن يخرج القانون المذكور إلى الوجود.
ويبدو أن الموضوع اتخذ هذه المرة صبغة الجدية بعد أن تم التصديق على مدونة الشغل ولصلة الموضوع بالنهوض بالاستثمار وإنعاش التنمية والشغل.
فقد ورد في الخطاب الملكي عند افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء يوم فاتح مارس 2002 بخصوص ضمانات النهوض بالتنمية ما يلي: “يجب على القضاء أن يوفر الرؤية التوقعية الحقوقية المطمئنة والموضحة للضمانات التي يكفلها القانون معززا بذلك مناخ الثقة التي تعد حجر الزاوية للاقتصاد الليبرالي مساهما في النهوض بالاستثمار والنماء الاقتصادي”.
وفي الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة الأولى من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان بتاريخ 11 اكتوبر 2002 ورد ما يلي: “… مؤكدين وجوب إقرار القانون التنظيمي للإضراب، ومدونة عصرية للشغل، يعرف فيها كل من المستثمر والعامل حقوقهما والتزاماتهما مسبقا؛ وذلك في نطاق ميثاق اجتماعي تضامني شامل”.
وفي خطاب العرش بتاريخ 30/07/2004 جاء ما يلي: “… ولن يأخذ الإقلاع الاقتصادي وتيرته القصوى بدون توفير المناخ الاجتماعي المشجع على الاستثمار والتشغيل. لذا، فإننا ندعو إلى إيجاد عقد اجتماعي جديد ينبثق عن تشاور واتفاق بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين. وينبغي أن يأخذ هذا العقد صيغة ميثاق يرتكز على مجموعة تدابير شمولية ومتكاملة تتضمن الالتزام بسلم اجتماعية وتعزيز إصلاح مدونة الشغل بتنظيم حق الإضراب، لوضع حد لممارسته غير المقننة التي تزج بالاقتصاد الوطني في دوامة الإضراب العشوائي، الذي يفضي إلى الإضراب المضاد عن الاستثمار والنفور منه.
الحوار الاجتماعي الذي توج باتفاق 30 ابريل 2003 انتهى إلى عدة خلاصات منها مسألة فض النزاعات والاتفاق على وضع الإطار التنظيمي لممارسة حق الإضراب، كما يستفاد ذلك من خطاب الوزير الأول الذي ألقاه بالمناسبة يوم فاتح ماي 2003. وافترق أطراف الحوار على أمل أنه بعد الاحتفال بفاتح ماي سينكب الجميع على وضع صيغة النص القانوني لتنظيم حق الإضراب، من أجل توفير مناخ ملائم لتحقيق التنمية الاقتصادية وخلق الثروات وتنشيط سوق الشغل وتحديث آليات الاقتصاد الوطني.
ومن بين النقط التي أسفر عنها الحوار الاجتماعي بخصوص تنظيم الحق في الإضراب ما يلي: “… النهوض بالمفاوضة الجماعية عن طريق إحداث مجلس المفاوضة الجماعية وتحديد دورية التفاوض على مستوى المقاولة والقطاع ووضع مسطرة قانونية لحل النزاعات الجماعية عن طريق لجان للمصالحة والتحكيم على المستويين الإقليمي والوطني”. ووصفت النتائج بأنها تشكل قفزة نوعية في الحوار الاجتماعي ببلادنا وتعلن لميلاد مكتسبات طالما شكلت انتظارات بالنسبة ليس فقط للفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين وللحكومة ولكن كذلك للشركاء الأجانب.
وإذا كان بالإمكان، من خلال تصريحات الأطراف المشاركة في الحوار، تلمس الخطوط العريضة للقانون الذي سينظم حق الإضراب؛ فإنه من المنتظر أن يعرف الموضوع خلافات ونقاشات حادة.
وإذا كانت الأطراف ستلتزم بمبدأ ضرورة وضع قانون تنظيمي لحق الإضراب لأن الدستور ينص في فصله الرابع عشر على أن “حق الإضراب مضمون وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق”.
كما أن هذه الأطراف لا يمكن لها أدبيا أن تنقض ما التزمت به في اتفاق 30 ابريل 2003.
ولما كان الإضراب لغة وقانوناً هو الامتناع الجماعي المتفق عليه بين مجموعة من العاملين عن العمل لفترة مؤقتة لممارسة الضغط للاستجابة لمطالبهم.
ولما كانت المادة 8 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تنص على أنه.
1 ـ تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة ما يلي:
(د) حق الإضراب، شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعني.
2 ـ لا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة أو رجال الشرطة أو موظفي الإدارات الحكومية لقيود قانونية على ممارستهم لهذه الحقوق.
وبالرغم من أن مسطرة الدخول في إضراب غير مقننة فإن بعض النقابات المهنية دأبت على سلوك مسطرة تتوج في حالة فشل الحوار إلى شن إضراب. حيث يمكن القول بأن هنالك تراكما في الممارسة كما أن القضاء كرس بدوره بعض القواعد. إذن الانطلاقة ليست من الصفر وهذا إيجابي. ثم هنالك القانون والاجتهاد المقارن.
فإننا نتساءل عن المواقف التي يمكن أن تبرز بخصوص بعض القواعد التي تحكم ممارسة الإضراب سواء من حيث مسطرة إعلانه أو من حيث حدوده.
وباستقراء النصوص القانونية المقارنة والاجتهادات القضائية المحلية والمقارنة، فإنه يمكن طرح بعض القواعد للمناقشة كما يلي:
1 ـ الإعلان عن الإضراب يتم في إطار جماعي، ومن طرف نقابة تمثيلية، وكل إضراب يشنه أجير أو عدة أجراء خارج الإطار المهني المنظم يعتبر غير مشروع.
2 ـ يتضمن الإعلان الأسباب وتاريخ وساعة بداية الإضراب وتاريخ وساعة انتهائه. وينبغي أن يكون التوقيت موحدا بالنسبة لجميع الفئات المضربة ولجميع القطاعات.
3 ـ تمنع الإضرابات الدورية لأنها تشل النشاط الاقتصادي للمقاولة الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى إفلاسها وتشريد العمال.
4 ـ لا يمكن أن يؤدي الإضراب إلى شل مصالح المواطنين؛ هنالك مصالح يترتب عن عدم إنجازها في وقتها سقوط حق أصحابها أو يفرض عليهم اتباع مساطر أخرى مكلفة مثل التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية والتقييدات المتعلقة بالتحفيظ العقاري والعلاجات الطبية والصيدلية والنقل العمومي.
5 ـ مبدأ الأجر مقابل العمل يعتبر من المبادئ التي استقر عليها الاجتهاد القضائي، وهو ما يقتضي أن تقتطع من الأجور ما يقابل أيام التوقف عن العمل بسبب الإضراب.
6 ـ يمنع الإضراب التضامني، لأن الإضراب مقرر شرعا للدفاع عن المصالح المهنية والاجتماعية للمضربين، ويعتبر الإضراب غير شرعي إذا استند إلى التضامن مثلا مع أجير تم فصله عن العمل لأن القضاء هو المختص في هذه الحالة لإنصافه.
7 ـ مدة الإضراب يجب أن تكون محددة بالقانون تفاديا للإضراب الغير محدد المدة (ملاين أيام العمل المنتج تضيع بسبب الإضراب، ووضعيتنا الاقتصادية في تدهور).
8 ـ اعتبار احتلال مقر المؤسسة أثناء الإضراب عملا غير مشروع وهناك من التشريعات المقارنة من تعتبره جرما معاقبا عليه. وصدرت أوامر قضائية قضت بإفراغ وإخلاء المؤسسة من المضربين ضمانا لحق العمال الغير المضربين في الاسمرار في عملهم، وقد يحدث عصيان عند تنفيذ الأمر القضائي يؤدي إلى متابعة من تسبب فيه أمام القضاء الزجري.
9 ـ يمنع الإضراب على الموظفين الذين يؤمنون سير المصالح الضرورية للعمل الحكومي والمكلفين بالأمن والحفاظ على التجهيزات العامة.
10 ـ يجب أن يكون الإضراب جماعيا وشاملا، وتوقف أجير بصفة انفرادية عن العمل لا يوصف بالإضراب وإنما يعتبر مغادرة للمنصب أو عملا يستتبع التأديب، عدا إذا تعلق الأمر بالاستجابة للدعوة لإضراب عام على الصعيد الوطني.
11 ـ الإضراب الذي يستند إلى أسباب سياسية مثل الاحتجاج على السياسة العامة للحكومة يعتبر غير مشروع.
12 ـ يحدد بالقانون الفئات التي يمنع عليها المشاركة في الإضراب.
13 ـ تبقى للمحاكم الإدارية أو العادية حسب الأحوال صلاحية البت في النزاعات المرتبطة بهذا الحقل بما في ذلك مراقبة شرعية الأسباب المستند إليها في شن الإضراب وكذا مسطرة إعلانه.
ربما من المستحسن إحداث مؤسسة وسيط ombudsman تختص بالتدخل لحل النزاعات الاجتماعية للحيلولة دون الدخول في إضرابات لأننا نضيع في ملايين أيام العمل بسبب الإضرابات التي تخاض في أغلبها لأسباب تعود إلى عدم التواصل أو سوء التواصل.
** **
حول أدبيات المنظمة العالمية للشغل OIT حول تنظيم حق الإضراب.
تأسست المنظمة العالمية للشغل سنة 1919 وتسعى حسب ديباجة دستورها إلى أن تسود العلاقات الإنسانية والعدالة الاجتماعية في ميدان الشغل، وصدرت عنها عدة اتفاقيات تتعلق ببعض المبادئ التي تحكم أنظمة الشغل والعمل النقابي والمفاوضة الجماعية.
إلا أنها لم تصدر عنها أية اتفاقية تهم شروط وكيفية ممارسة حق الإضراب ولو في الحدود الدنيا، ويمكن التساؤل عن الأسباب التي جعلت هذه المنظمة العالمية تستنكف عن الخوض في هذا الموضوع بالرغم من أن مجلسها الإداري يتكون من المعنيين مباشرة بموضوع الإضراب؛ إذ يضم 14 عضوا يمثلون فئة الأجراء و 14 عضوا يمثلون فئة أرباب العمل و 28 عضوا يمثلون الحكومات.
وبالرغم من ذلك فإن موضوع الإضراب يظل من الأمور التي تبحثها لجنة العمل النقابي بمناسبة البحث في الشكايات التي ترد على المنظمة من طرف نقابات العمال وأرباب العمل.
وانشغال المنظمة بالموضوع نجد أثره في الاتفاقية رقم 105 لسنة 1957 المتعلقة بمنع الأشغال الشاقة حيث تنص على أنه يمنع اللجوء إلى الأشغال الشاقة كإجراء عقابي بسبب المشاركة في الإضراب.
ونعلم أن الإضراب كان مجرما إذاك في كثير من الدول، وأن دولة سوريا مثلا لم تلغ القانون المجرم للإضراب إلى في سنة 2000، ولم تلغه دولة الأردن إلا في سنة 2003.
تعقد المنظمة مؤتمرا عالميا يصدر عنه تصريح يتضمن ما وصل إليه المنتظم الدولي بشأن القواعد المنظمة لعلاقة الشغل.
ففي تصريح فلاديلفيا على إثر المؤتمر العالمي للشغل سنة 1944 نجد المنظمة تركز على جملة من المبادئ منها أن العمل ليس بضاعة وأن الفقر أينما وجد يعتبر خطرا محدقا برفاهية الجميع. مما يعني أن ميدان الشغل يعتبر مصدر ثروة وينبغي تنظيمه بالشكل الذي يساهم في رفاهية الإنسانية والقضاء على الفقر.
أما المؤتمر العالمي للشغل لسنة 1998 فقد صدر عنه تصريح يؤكد التزام المنتظم الدولي بضمان حسن النية في احترام والنهوض بالاعتراف الفعلي بالحق في المفاوضة الجماعية بين الأجراء وأرباب العمل.
وفي تقرير للمدير العام للمنظمة لسنة 2004 الذي أعده بشأن متابعة تصريح المنظمة المتعلق بالمبادئ والحقوق الأساسية في الشغل، أشار إلى أن بعض الشكايات التي عالجتها لجنة الحريات النقابية في السنوات الأخيرة تتعلق بالعوائق التي تحد من ممارسة الإضراب. وأن بعض الإضرابات نشأت نتيجة عدم معرفة العمال بالوضعية المالية للمؤسسة، أو تكونت لديهم فكرة خاطئة عن مردوديتها.
هكذا يتبين أن استقرار الشغل عن طريق التفاهم بين طرفيه (الأجراء وأرباب العمل) يستأثر باهتمام هذه المنظمة، ومن تم يمكن فهم عدم صدور أية اتفاقية عنها بشأن موضوع الإضراب، مكتفية بمضامين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تترك الصلاحية للحكومات في أن تقنن من القيود ما هو ضروري لضمان استمرار الشغل باعتباره مصدر ثروة وخاصة في القطاعات الحيوية. وذلك في إطار المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على ما يلي:
1- على كل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.
2- لا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها، حصرا، ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي.
3- لا يجوز في أي حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
غير أن المنظمة العالمية للشغل تلح على أن تسود قواعد المفاوضة الجماعية لحل النزاعات، وأن بعض خبرائها يذهبون بعيدا حين يقترحون إلزامية التحكيم قبل اللجوء إلى الإضراب.
وأؤكد في الختام ما سبق لي أن ختمت به الحلقة الأولى من أنه من المستحسن إحداث مؤسسة وسيط ombudsman يختص بالتدخل لحل النزاعات للحيلولة دون الدخول في إضرابات لأننا نضيع في ملايين أيام العمل بسبب الإضرابات التي تخاض في أغلبها لأسباب تعود إلى عدم التواصل أو بسبب سوء التواصل.
** **
بقي لي أن أتحدث عن قواعد البت في النزاعات الجماعية المرتبطة بالشغل انطلاقا من مدونة الشغل المغربية وما كان يجري به العمل قبل صدورها.
في سنتي 1976 و 1977 كنت أعمل في إطار الخدمة المدنية بالقسم الاقتصادي والاجتماعي بعمالة الرباط، وكلفني الخليفة الأول بتولي مهام الكتابة للجنة تتبع نزاعات الشغل ببعض مؤسسات الإنتاج التابعة لنفوذ العمالة، وكنت أرافق رئيس مصلحة تفتيش الشغل أثناء الزيارات التي يقوم بها للمؤسسات للتحري حول أسباب توقف العمال عن العمل أو تهديدهم بذلك، وعندما يعد تقريرا يبعثه إلى السيد العامل وأتولى مهمة استدعاء النقابة إدارة المؤسسة المعنية بالنزاع لحضور اجتماع بمقر العمالة الذي كان يترأسه إطار مكلف بمهمة لدى السيد العامل ويحضره مفتش الشغل.
وأتذكر أن الاجتماعات تستمر لعدة ساعات وأحيانا تعقد عدة جلسات كما ترفع الجلسات عدة مرات للتشاور، وكنت أحرر محضرا أضمنه مطالب العمال واقتراحات رب العمل والمسائل المتفق عليها والأخرى موضوع الخلاف. ويتم إمضاء المحضر حالا أبعث نسخة منه فيما بعد إلى لأطراف المعنية، وتحال نسخة منه على مفتشية الشغل والسلطة المحلية.
ما هو ملاحظ أن تدخل اللجنة لا يتم في بعض الأحيان إلا بعد اندلاع الحركة الإضرابية.
في غالب الأحيان ترجع الأسباب إلى عدم جواب الإدارة على عريضة المطالب التي يقدمها العمال (وتتضمن في أغلبها الرفع من الأجور، زيادة نسبة 30% كانت مطلبا قارا، وكذا السلم المتحرك للأجور، والتعويضات عن بعض الأعياد الدينية وبخاصة أضحية العيد، وتعويضات التنقل والسكن، ونادرا ما تتعلق المطالب بظروف العمل).
بخصوص النقاش حول تحسين الأوضاع المادية للعمال فإن مدير المؤسسة يستعرض الوضعية المالية لمؤسسته ليخلص إلى القول بأنه ليس ممكنا إثقال كاهل المؤسسة بتحملات إضافية وإلا ستتعرض للإفلاس والإغلاق.
ويقتصر دور ممثل السيد العامل في تسيير النقاش وأحيانا يطلب من مفتش الشغل إبداء ملاحظته بخصوص بعض المسائل الداخلة ضمن اختصاصاته.
أما التحكيم فإنه غير موجود في الواقع وفي حالة فشل المفاوضات، يبقى الإضراب مستمرا وتتفاقم الأوضاع لا بالنسبة للعمال ولا بالنسبة للمؤسسة. وخلاصة القول فإن المسطرة ليست ذات فعالية ما دامت لا تحول دون التوقف عن العمل.
هذه المسطرة كان ينظمها ظهير 19 يناير 1946 المتعلق بالمصالحة والتحكيم بخصوص نزاعات الشغل الجماعية ويلزم إخضاع النزاعات الجماعية لمسطرة المصالحة والتحكيم قبل أي قرار بالإضراب أو بالإغلاق، كما يتضمن مقتضيات تهم المؤسسات التي توصلت إلى اتفاقيات جماعية حيث تنشأ بها لجنة ثنائية مشتركة بين النقابة العمالية المتعاقدة (الأكثر تمثيلية) وبين إدارة المؤسسة، تختص بالمصالحة وتعيين محكم للفصل في النزاع. هذا الظير تم إلغاؤه بمقتضى مدونة الشغل الجديدة التي دخلت الآن حيز التطبيق.
وبخصوص موقف الطرفين من السلطة فقد تحصل لدي انطباع آنذاك بأن إدارة المؤسسة تعتبر السلطة حليفة ومناصرة لها في حين ينظر إليها العمال على أنها خصم مثلها مثل إدارة المؤسسة. ومن هنا أرى أنه من المستحسن إحداث مؤسسة وسيط غير تابع لا للحكومة ولا للنقابات لتولي مهمة الإشراف على الحوار والتواصل بين الأطراف المتنازعة.
في إطار مدونة الشغل الجديدة فإن “نزاعات الشغل الجماعية”، هي كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل، والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية، مهنية، لهؤلاء الأجراء. كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل واحد، أو عدة مشغلين، أو منظمة مهنية للمشغلين، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين.
وتسوى نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم.
وتتم محاولة التصالح على مستوى مفتشية الشغل فاللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ثم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.
أما التحكيم فيتولاه حكم يختاره الطرفان بالتفاهم فيما بينهم، لكن إذا اختلفا فإن الوزير المكلف بالشغل يعينه من بين لائحة الحكام التي توضع اعتمادا على اقتراحات المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، وتكون قرارات المحكم قابلة للطعن، وتنفذ القرارات تحت طائلة غرامات مالية.
ومهما تكن صياغة القانون فإن حسن تطبيقه يبقى رهينا بمدى قدرة المعنيين به على التفاهم، انطلاقا من أن كل خلاف في مجال الشغل وغيره لا بد أن له حلولا وتستمد الحلول في مجال الشغل من مبدأ أن العمل ليس بضاعة.
وعندما نسلم بأن العمل ليس بضاعة وإنما يعتبر مصدرا للثروة لرفاهية الجميع، فإنه من الصعب حقيقة قبول فكرة الإضراب عنه أو تعطيله، وهو الأمر الذي ينبغي اجتنابه ما أمكن عن طريق الحوار والتواصل، لأن بلادنا بحاجة إلى الاستثمار من أجل تشغيل الفئات الواسعة من شبابنا، وهو ما لا يتأتى إلا بتحقيق التنمية الاقتصادية. ثم إن الإضراب ليس هو السبيل الوحيد في التعبير عن المطالب والضغط لتحقيقها.

*محام بهيئة مراكش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.