الحسن الداكي يتساءل عن الأسباب التي تحول دون الرفع من عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط بالمؤسسات السجنية المغربية

 

هيام بحراوي

 

تساءل الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة ، عن الأسباب التي تحول دون الرفع من عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط بالمؤسسات السجنية المغربية.

وأكد رئيس النيابة العامة، بمناسبة افتتاح الندوة العلمية المنظمة من طرف وزارة العدل حول موضوع: “الإفراج المقيد بشروط بين متطلبات التفعيل وتحديات توسيع فرص الإفراج وإعادة الادماج”، أن هذا الموضوع  له راهنية كبيرة في هذه الظرفية التي قال أنها ” تشهد اهتماما متزايدا بوضعية المؤسسات السجنية وبظروف اعتقال السجناء وما يتصل بهما من اكراهات يفرضها اكتظاظ بعض المؤسسات السجنية بفعل عدم تناسب الطاقة الايوائية للسجون مع عدد المعتقلين وما يترتب عنه من اثار سلبية تعيق مجهودات الإصلاح المبذولة”.

وعقب الداكي، في كلمته على أولئك الذين يظنون ان الافراج عن المعتقلين قبل موعد انتهاء مدة عقوبتهم السالبة للحرية عامل أساسي في التقليص من عددهم ، وبالتالي التخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية كنتيجة حتمية ، موضحا بأن  المشرع المغربي أتاح مجموعة من الآليات القانونية التي تخول إمكانية انقضاء العقوبة السالبة للحرية قبل تمام مدتها، والتي يضيف المتحدث ” لا يجب ان تختزل أهميتها في التخفيف من اكتظاظ السجون بقدر ما يجب اعتبار واستحضار ما تكتنفه من حمولة إصلاحية تكرس تثمين مسار السجناء المدانين الذين انخرطوا بجدية في برامج الإصلاح والتأهيل، وأبانوا عن حسن سلوكهم والتزامهم بالضوابط القانونية والتنظيمية التي تؤطر تواجدهم داخل الفضاءات السجنية. بالإضافة الى أنها تشكل عاملا محفزا لمعظم السجناء لأجل الانخراط التلقائي في برامج التأهيل والإصلاح والتطلع إلى الاندماج بعد الإفراج داخل النسيجين الاقتصادي والاجتماعي بشكل سليم وفعال”.

وفي هذا الإطار، ذكر رئيس النيابة العامة ، بمجموعة من الآليات القانونية التي أقرها المشرع، و التي تخول إمكانية الإفراج  عن السجين قبل انقضاء مدة العقوبة السالبة للحرية المدان من أجلها ، ومن بينها الافراج المقيد بشروط ، حيث أحاطه المشرع، بشروط توازي بين فلسفة الإصلاح والتأهيل والتحفيز من خلال وجوب استقامته وحسن سيرته و بين متطلبات الردع الذاتي واستشعار الخطأ المرتكب اتجاه النفس والضحية والمجتمع عبر وجوب قضائه لجزء من مدة العقوبة المحكوم بها عليه ، فاذا كانت العقوبة جنائية وجب عليه قضاء نصف المدة المحكوم بها عليه ، واذا كانت العقوبة جنحية وجب عليه قضاء ثلتي المدة المحكوم بها عليه.

وفي هذا الصدد ، أشار الداكي، الى أن الجهود المبذولة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج ، ومن طرف الشركاء المعنيين بتنفيذ الاختصاصات المخولة لها ، سواء على مستوى تأهيل المؤسسات السجنية بنيويا ولوجستيكيا ، أو على مستوى إعداد وتنفيذ برامج إصلاحية لفائدة السجناء تجسد على حد تعبيره ” إرادة فعلية في تأهيل السجناء وفق مقومات تنأى بهم عن العود الى الارتماء في أحضان الجريمة من جديد ، وتتيح لهم تملك كفايات تربوية تؤهلهم للتعايش في المجتمع بما يكفل الانضباط للقواعد المنظمة للحياة العامة والاندماج الفعلي والسليم”.

و قال  رئيس النيابة العامة ، “منطقي أن تواكب هذه الجهود جهود موازية تمكن من تفريد العقوبة على مستوى التنفيذ من خلال فسح المجال أمام كل سجين أبان عن حسن سيرته ونال شهادة في مجال التعليم والتربية غير النظامية او في مجال التكوين المهني أو في غيرها من مجالات التربية والتأهيل وقضى جزئيا فترة العقوبة المنصوص عليها ضمن مقتضيات قانونية حصرية من معانقة الحرية قبل موعد انتهاء محكوميته تكريسا لجدوى هذه البرامج ولمصداقية المؤسسات السجنية كمؤسسات إصلاحية تربوية، وانصافا لما بذله من جهد وانضباط خلال فترة اعتقاله”.

واستشهد الداكي ، بإحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج الواردة في تقريرها السنوي برسم سنة 2023،  والتي لاحظ من خلالها أن عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط لم يتجاوز 408 مستفيد منذ سنة 2019 إلى غاية سنة 2023 ،  أي بنسبة 5.8 بالمئة من مجموع الملفات المحالة من طرف المندوبية العامة على مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، والبالغ مجموعها 6972 ملفا.

وفي المقابل ، أوضح رئيس النيابة العامة “نجد أن عددا من الدول تحرص كل الحرص على تفعيل الإفراج المقيد بشروط بشكل مكثف بحيث يصل عدد المستفيدين منه بكل من اسبانيا وفرنسا على سبيل المثال الى حوالي 8000 مستفيد سنويا، والى 18000 مستفيدا في السنة بكندا.

الأمر الذي يدفع، يضيف المصدر ذاته، إلى التساؤل حول الأسباب التي تحول دون الرفع من عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط بمؤسساتنا السجنية ، هل هي أسباب مرتبطة بقلة الملفات المقترحة ؟، أم بشخصية المدانين وخطورة الأفعال المحكوم عليهم من أجلها أو بنظرة المجتمع إلى هؤلاء وعدم تقبله الإفراج عنهم قبل انتهاء مدة عقوبتهم ؟، أم هناك أسباب لها علاقة بالشروط المنصوص عليها في المنظومة القانونية ذات الصلة، والتي قد تتمثل في  صعوبة توفير الوثائق المتصلة بتملك المعني بمقترح الإفراج لوسائل شخصية للعيش او لمهنة ذات دخل قار؟ ، أو لتعذر توفير شهادة إيواء أو شهادة من مشغل يلتزم بتشغيل المعتقل بمجرد الإفراج عنه تحت طائلة رفض الطلب؟. ثم هل من الضروري التساؤل أيضا بشأن الدور الذي يمكن ان تلعبه السلطات المعنية في هذا الصدد من خلال إبداء رأيها في المقترح وتوفير سبل احتضان المعني بالأمر بعد الإفراج عنه متى كان ذلك متاحا؟

وقال الداكي “إن واقع الحال يقتضي إيجاد أجوبة عن هذه التساؤلات وما يمكن أن يطرح غيرها والتي قد تشكل عائقا لاعتماد مثل هذه الآلية القانونية لتيسير إعادة إدماج بعض النزلاء متى توفرت شروط ذلك”.

وأشار الداكي، إلى أن رئاسة النيابة العامة، تواكب قضاة النيابة العامة لتفعيل مختلف أدوارها المحددة قانونا في سبيل الدفع قدما لإعمال آلية الإفراج المقيد بشروط، سواء ما يرتبط بالحرص على تجهيز الملفات في آجال معقولة بهدف رفعها إلى وزارة العدل ذات الاختصاص في هذا المجال، أو من خلال مواكبة مدى تقيد المفرج عنهم بالضوابط القانونية التي تحكم الإفراج عنهم، والتدخل عند الاقتضاء كلما عمدوا إلى خرق تلك الضوابط بإعادة كل من يخالفها أو يتجاوزها إلى المؤسسة السجنية لقضاء ما تبقى من عقوبته قبل الإفراج عنه وفق المحددات القانونية في هذا الإطار .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.