المرصد المغربي لمناهضة التطبيع: كتاب “ربيع الصيانيم” في الأكشاك
صدرت عن “منشورات المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” الترجمة العربية لرواية *ربيع الصيانيم* للكاتب المغربي الكبير المناضل *يعقوب كوهين* .. و تقديم *داحمد ويحمان* Ouihmane Ahmed رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع.
الكتاب الذي صدر عن مطبعة لينا من 235 صفحة من القطع المتوسط، يحكي ويكشف عن *بن بريط* ؛ شيفرة المخابرات الصهيونية الموساد كما جاء في المقدمة التي قدم بها الرواية الدكتور أحمد ويحمان رئيس المرصد .
كيف يشتغل الموساد ؟ كيف يخترق مواقع صنع القرار للتأثير فيه وتوجيهه في مختلف القطاعات الرئيسية بمختلف الدول، والعظمى والمؤثرة منها على الخصوص؟
الجواب عن كل هذه الأسئلة وغيرها بين دفتي هذا الكتاب، وهو أمر حيوي، وجب تمثله جيدا في بلاد مثل بلادنا التي تعرف اختراقا صهيونيا خطيرا يلعب فيه الصيانيم والمناولون ( العطاشة) لديهم أدوارا تخريبية ومدمرة ..
من المحقق أننا هنا بإزاء عمل إبداعي يندرج في حقل الأدب والتعبير والخوض، بالدرجة الأولى، في عالم المشاعر و الأهواء و الأذواق والتمثلات والاتجاهات والسلوكات … الخ . ومن المؤكد أيضا أن لهذا العالم، كما كل العوالم الأخرى، خبراءه من أهل الاختصاص . لهذا فإني، في هذا التقديم، ألزم حدود99ي وأترك الحديث في منطق وضوابط السرد والحبكة وبلاغة الصور وسلاسة اللغة والجوانب الفنية والجمالية وما إلى ذلك من مقومات البناء ومقتضياته في النص الروائي، كجنس من أجناس الإنتاج الأدبي، لأصحاب الاختصاص؛ النقاد الأدبيين الذين لا أدعي أن أكون واحدا منهم .
ومع أنها تندرج في دائرة جنس الإبداع الأدبي، إلا أن رواية ” ربيع الصيانيم ” ، بموضوعها ومضامينها، ورسالتها الأساسية خاصة، يمكن، بل ينبغي، فهمها و استيعابها في نطاق آخر تماما . وهذا هو الدافع إلى محاولة تقديم هذا العمل من زاوية أخرى تماما أيضا نظرا لأهمية وخطورة ما يطرحه، بغض النظر عن الأحداث و الوقائع والسياقات التي تحدث فيه، هذه الأحداث والوقائع، وبغض النظر عن أبطالها وبطلاتها .
يتعلق موضوع الرواية بقضية تشغل بال العالم أجمع منذ عدة عقود . ويرتبط انشغال العالم بهذه القضية لأهميتها ولارتباط الاستقرار والأمن الدولي بها؛ إنها قضية فلسطين بما هي القضية المركزية للصراع في كل الشرق الأوسط؛ الذي يعد عصب الاقتصادية في العالم أجمع وبالتالي موضوع صراع المصالح المستدام بين الشركات الاحتكارية العالمية العابرة للقارات، القائمة على نهب خيرات ومقدرات شعوب المنطقة من جهة ومصالح الشعوب التواقة إلى التنمية والنهوض والتحرر من ربقة الاستعمار والاستغلال من جهة أخرى .
من المعلوم أن الصهيونية العالمية، نظرية وحركة وكيانا، هي صلب هذا الصراع منذ ما قبل إنشاء ما يسمى” إسرائيل “ سنة 1948 . وتعد ظاهرة هذا الكيان من أهم الظواهر التي استقطبت اهتمام الفاعلين السياسيين الدوليين والباحثين والمتتبعين للشأن الجيوستراتيجي منذ حوالي ثمانية عقود، ولاسيما جانب الحصانة التامة وامتياز الإفلات من أية محاسبة أو أي عقاب أو خضوعه لأي قرار أو أية قوانين ومواثيق دولية . ف” إسرائيل “ محصنة وهي فوق القانون الدولي ولايمكن محاسبتها عن أية جرام حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم التطهير العرقي أو جرائم إبادة جماعية ترتكبها .. والتاريخ الراهن يشهد بذلك .
من أين تستمد “إسرائيل“ كل هذه القوة والنفوذ؟ من أين تستمد كل تلك الغطرسة والصلف والتوحش المطمئن للإفلات من العقاب ؟
كيف أسس الكيان الصهيوني مخابراته ؟ وكيف أسس لهذه المخابرات شبكة المتعاونين (الصيانيم) في العالم ؟ وكيف .. وهذا هو الأهم في كل هذا .. كيف تشتغل الآلة ؟
هذا ما يجيب هذا الكتاب عن جانب كبير منه . ومن هنا أهميته .
كنت أفكر في ما من شأنه أن يوضح الرؤية من الزاوية التي اخترناها لتقديم هذا العمل فلم أجد أبلغ مما قدم به الكاتب عمله وحبكة وقائعه وسياقاتها وخلفيات شخوصه وتمثلاتهم واستراتيجياتهم وسلوكاتهم في أكثر من لقاء ونقاش بيننا كان آخره قبل دقائق من كتابة هذه السطور بتاريخه أدناه .
وخلاصة القول هنا هو أن مدير الموساد ” مايير عميت “،عام 1959، خطرت له فكرة استخدام اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل (الشتات) كعملاء نفوذ ودعاية ودعم واستخبارات وتعاون بجميع أنواعه . وسيكون هؤلاء هم يسمى بالعبرية “صيانيم” بمعنى ”أولئك الذين يتعاونون = les collabos“. وسيعمل الموساد على تجنيدهم في كافة المجالات المهمة من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والاقتصادية والمالية والإعلانية والسينمائية والفنية وغيرها.
وبما أن النخبة اليهودية في الشتات لديها المحافل الماسونية المخصصة لها بشكل صارم. ويطلق عليها اسم “بني بريت” = Bnaï Brit ( أبناء الوكالة )، يمكن لليهود فقط الانضمام، ويبلغ عدد أعضاها خمسمائة ألف ( 000 500 ) عضو حول العالم، والأشخاص ذوي الرتب العالية فقط وبما أن بني بريت محافل مخلصة تماما لإسرائيل .. لكل ذلك، فإنه لشرف كبير أن يصبح أحد أعضائها “سايان” ( مفرد صيانيم ).
يقدم يعقوب مثال صيانيم ممثلي هوليوود الذين تضج بهم استوديوهاتها، وهم من قاموا بإنتاج فيلم، عام 1961 بعنوان “الهجرة” (EXODUS )، والذي حقق نجاحًا عالميًا كبيرًا. يروي الفيلم أحداث عام 1948، من وجهة نظر صهيونية حصرية : اليهود الطيبون والعرب الأشرار!. وهو ما رهن العقول والذاكرة الغربية لجيل كامل على الأقل.
هناك الكثير من الصيانيم في وسائل الإعلام . ولذلك سوف يساعدون بعضهم البعض، ويعززون الدعاية الصهيونية، ويمنعون العرب من الوصول إليها.
يستخدم الصيانيم سياسة الترهيب، بل والإرهاب الفكري .. ويقدم يعقوب حالة روجي جارودي الذي انتقد السياسات الصهيونية فتم محوه من الذاكرة السياسية والأدبية في فرنسا. ستيفان بليه نموذج آخر .. وكان ملحنًا وعازف بيانو لامعًا، لكنه كان مناصرًا للفلسطينيين.. لم يعد لديه أي عقد في فرنسا، وأُجبر على الذهاب إلى المنفى في تركيا حيث انتهى به الأمر بالانتحار..
يوضح هذان المثالان التهديد الذي يواجه أي شخص في الغرب.. كل من ينتقد إسرائيل لن تبق له مهنة يعيش منها.
كثيرا ما يقدم يعقوب مثالا آخر، عندما أرسل العراق علماء إلى ساكلاي Saclay للتدريب النووي، كان لدى الموساد صايان يزوده بملفاتهم، مما سمح له باغتيال بعضهم، بما في ذلك رئيس البرنامج النووي العراقي… الخ … الخ
ويقدر عدد الصيانيم في العالم بحوالي خمسين ألفا ( 000 50 ) .. ومن الأمثلة التي يتوقف عندها الكاتب في أيامنا هذه ما نجحو فيه الصيانيم، على سبيل المثال، في فرض اعتبار معاداة الصهيونية معاداة للسامية !!! . ويعتبر كوهن أن الخمسة آلاف ” صيان “ فرنسي، الذين يعملون في الموساد، قد حققوا هذا الإنجاز، كما هو الحال في الدول الغربية الأخرى، المتمثل في ضمان عدم ذكر الإبادة الجماعية في غزة المستمرة منذ خمسة أشهر في وسائل الإعلام .. والويل لمن يعبر عن التضامن الإنساني مع الفلسطينيين، مثل لاعب كرة القدم الجزائري الذي لعب في نيس والذي حكم عليه بالسجن 8 أشهر بسبب تغريدة !!!
”لا يمكننا أن نفهم القوة الصهيونية الغاشمة في العالم، ونتعلم كيفية محاربتها، إذا تجاهلنا الصيانيم .“ يقول يعقوب دون توقف .
هذا ما تحاول رواية ”ربيع الصيانيم“ إظهاره وتفسير هذه الظاهرة عبر فك شيفرة الموساد من خلال كيفية تجنيد بعض الصيانيم في فرنسا، نموذجا، وكيف يتصرفون، وبأية فعالية .
ويبقى، ونحن نستحضر كل هذه المعطيات أن نقيس على ما هي الأمور عندنا هنا حيث بلغت سطوة الصيانيم الجرأة على تصريح الحاخام أبراهام غولن بأنه ينتظر تعيينه من طرف الملك لتولي تدبير شؤون الزكاة كما يتولى غي أدرعي، قريب أريي أدرعي، وزير الداخلية في حكومة نتانياهو تدبير ممتلكات الأوقاف والشؤون الإسلامية، لا بل ويتجرأ مدير مكتب الاتصال المجرم غوفرين على اغتصاب النساء المغربيات بمقر مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط .. لا بل ويقول بأنه يتعمد إهانة المغرب وملك المغرب ـ بحسب ما أفادت به مستشارته السابقة !!!
أما المناولين من ( عطاشة الأجندة )، فبعد إشراف المستشار الملكي أندري أزولاي، على عزف النشيد العسكري الصهيوني بعاصمة البلاد الرباط وإشرافه على ما أسماه منتدى توحيد الهياكل بالعاصمة الاقتصادية الرباط، وبعدما نال وسام الشرف الرئاسي من طرف رئيس الكيان الإجرامي بتل أبيب .. بعد كل هذا فقد ظهر من يرفع شعار” كلنا إسرائيليون !!!“ ( المدعو أحمد الشرعي ) ومن يخصص غلافا لمجلته بالمانشيت، بالبنط العريض : ”المغرب المملكة المقدسة لبني إسرائيل “!!! ( المدعو عبد الله الفرياضي ) ومن ينازع في العرش المغربي : دجين بنزاكين !!!
يبقى ، قبل الختام، التنويه إلى أن الكاتب، وهو مناضل مغربي، ينتمي للمدرسة الواقعية بحيث أنه، وإن حظي بحق الخيال والتحليق به في السماء كيف يشاء، إلا أنه اختار دوما أن يكون لصيقا بالأرض حي يلتحم بالواقع حتى أن شخوص أعماله يتخذ لهم أسماء حقيقية يغير فيه أحيانا حرفا واحدا فقط بحيث لا يتطلب من القاريء بذل مجهود إضافي لإدراك بمن يتعلق الأمر كما رأينا في روايته ما قبل الأخيرة :
*” الموساد يضع يده على تنغير “*
في الختام، يجذر التذكير بأن الكاتب يعقوب كوهين اختار أن يهدي كتابه إلى كل من يناضل من أجل العدالة لفلسطين .. ونحن بدورنا نحيي أرواح الشهداء وصمود وصبر الشعب الفلسطيني وأسرا الأبطال . ونخص بالتحية كل ساحات المقاومة لمواجهة النازية الصهيونية والأمريكية، وخاصة ساحتي اليمن وجنوب إفريقيا كشعبين وكقيادتين وكمؤسسات .. ونختم بالتحية لأحرار العالم وعلى رأسهم إلى روحي الطيار الأمريكي آرون بوشنل وراشيل كوري .. وإلى الصديق العزيز يعقوب كوهين .
ويحمان: الرباط في 12 مارس 2024