تقدير الأمور

لكل نهاية بداية، الحياة كشجرة أصلها جذور في الأرض وأساسها جدع تتفرع عنه فروع تنبثق منها غصون مورقة تكسب الشجرة جماليتها و جودة ثمارها؛ وتختلف أنواع الأشجار، فمنها الغابوية الطبيعية، ومنها ذات الغلة المتواجدة في البساتين، الضيعات، المروج…؛ بمعنى -وليس بالمطلق- تستوجب تدخل خارجي ألا وهو الفرد/العقدة الذي يرعى الشجرة منذ المنشأ (الغرس، السقي،…)، ويعتني بها بتقويم الجدع أو تلقيمه ورعاية المحيط بتشذيب الأعشاب الغير مفيدة التي تنافس الجذور تحت الأرض لترك كفاية الماء وتحصينها من الطفيليات والديدان الضارة،… أي خلق بيئة صحية وسليمة لتنمو الشجرة وتكبر. وتستمر العناية بالشجرة بعدما تتفرع غصونها برش المبيدات وتشذيب الغصون الغير منتجة لتكون في الأخير ثمارها ذات جودة عالية.
الغرض من هذه المقدمة ليس درس في علم النباتات أو البيئة أو،… بل المغزى منها هو المجهود البشري لأنه العنصر الخارجي عن الطبيعة، مجهود يثمن في النهاية بكونه صالحا أو طالحا. وكيفما كانت النتيجة فهي حتمية لأنها تحدد منذ البداية بناء على مشوار : ما الهدف، كيف، بماذا، لم،…فالحصيلة؛ مشوار بشري هو في الحقيقة يسمى ب: (وإن كانت الأغلبية تجهله) تقدير الأمور، فالتفاعل البشري مهما كان في الحياة له بداية ونهاية، والناجحون في تفاعلاتهم هم الذين يقدرون الأمور قبل بدايتها أو يتداركونها عندما يجدون أنفسهم منخرطين في تفاعل ما بنقد ذاتي أو شمولي للاستمرار أو التصحيح أو الترك، والمقدرون للأمور خاصة ذوي التفاعلات النبيلة، الطيبة، الصادقة،… غالبا ما تكون تقديراتهم شمولية تحضر في حساباتها جميع الضمائر المنفصلة في مجال الصرف العربي (أنا، أنت، هو، هي، ….، هن) وهذا تقدير محمود لأن الهاجس المتحكم فيه هو خدمة الصالح العام، في حين أن التقدير الفرداني يرتكز أساسا على المصلحة فقط وهو ينقسم إلى نوعين:
التقدير الفرداني المقبول والتي ترتكز حساباته فقط على الربح دون الضرر ولا مجال للخسارة.-1
2- التقدير الفرداني الخطير والمشاع حاليا تحت شعار (من أين تؤكل الكتف) تقدير يراعي في حساباته فقط الأنا ومن بعدي الطوفان وهو تقدير مذموم ومفكك لأواصر الشبكة المجتمعية .
تقدير الأمور إذن هو سلوك ينبثق عن ذوي الأخلاق الحميدة والتربية الحسنة لأنه عملية استباقية تتطلب عند التفاعل أربع كلمات -لماذا، كيف، ثم، وبعد- فحسن التقدير قراءة استباقية للكيفية ونتائجها إذا كانت مدروسة، مجدية، نافعة، صالحة، شاملة، فعالة،… وليس لها أي تأثيرات سلبية أو حتى جانبية. لأن صاحب الخلق الحميد يعز على نفسه إلحاق الضرر وإن صغر بالآخر.
والواقع أظهر أن المتغنون بحسن التقدير هم كائنات محشوة بأفكار انتهازية تضفي المشروع على اللامشروع باستبدال :
– القيم الإنسانية بإلزامية الموقف،
– المبادئ النبيلة بحتمية الضرورة،
-الوصول للمبتغى باستباحة المكروه،
-القيام بسلوكات مذمومة بالفهم المغلوط والمؤول حسب الحاجة.
المهم هو القيام بحسابات ضيقة للوصول بسرعة للنتيجة مع تغييب التفكير في الكيفية ومخلفات الحصيلة وماتتركه من بونات شاسعة بين العقد/الأفراد في الشبكة المجتمعية.

…/…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.