مغاربة كندا.. تميز واندماج في المجتمعات الجديدة وتشبث وحنين إلى ثقافة البلد الأم
بعد مسيرة مهنية غنية في شركة للاتصالات في المغرب، لم يكن عزيز داوني يعلم أن فكرة الهجرة إلى كندا ستقوده إلى تغيير مساره المهني إلى مجال الإدارة والتسيير الثقافي، ليضع بصمته في واحدة من التظاهرات الثقافية السينمائية التي تقام كل سنة بمونريال، ويرسم طريق موهبة مغربية تألق نجمها في سماء كندا.
فعلى الرغم من صعوبة الغوص في ثقافة مغايرة لتلك التي نشأ عليها، انتقل عزيز سنة 2009 إلى كندا في مغامرة دراسية جديدة حصل خلالها على البكالوريوس في العمل الثقافي من جامعة كيبيك في مونريال، قادته إلى أن يصبح أحد المسؤولين البارزين في مهرجان ”بعيون إفريقية” السينمائي الدولي الذي احتفى هذه السنة بالمغرب في دورته الـ38.
وليس عزيز المغربي الوحيد الذي أصبح له صيت في كندا، بل إن هذا البلد الواقع في أمريكا الشمالية أصبح يستقبل العديد من المواهب المغربية التي تبحث عن تجارب جديدة تنقلها إلى وطنها الأم وتساهم في التعريف بالثقافة المغربية العريقة في بلدان المهجر.
كما أن هجرة المغاربة إلى كندا ليست وليدة اليوم، بل إن أولى الهجرات كانت في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، تلتها موجة ثانية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، لتصل اليوم، حسب هيئة الإحصاءات الكندية، إلى أزيد من 104 آلاف مغربي ومغربية يتوزعون على أكبر مقاطعات البلاد.
ويتعلق الأمر بهجرة ساهمت في تنمية المجتمع الكندي، من خلال تميز مغربي محض في مختلف المجالات، بما فيها التجارة والأعمال والثقافة وغيرها، لكن في تشبث تام بالثقافة المغربية والوطن الأم.
يقول عزيز في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء ”المثير هنا هو أنه يمكنك العيش في كندا بينما تظل مرتبطا بثقافتك الأصلية وجذورك كمغربي”، مضيفا أن تعلقه بالمغرب يظل ”عميقا للغاية، لأن الأمر يتعلق بحضارة متجذرة في التاريخ تنبض بقيم متنوعة مبنية على التسامح والانفتاح وتقبل الآخر، وهي ميزة تمكن من تسهيل مسار الهجرة بالنسبة لكل مغربي”.
وأضاف أن ”جوهر القيم المغربية والثقافة الغنية والمتنوعة، يسمح لنا بأن نبصم على مسار متميز. الحبل السري الذي يربطني بالمغرب، أنقله إلى ابنتاي اللتان تعيشان في أجواء وطقوس مغربية من نواحي متعددة ثقافية واجتماعية وفنية”.
إلى جانب عزيز، اندمج العديد من المغاربة المقيمين بكندا داخل بلد الاستقبال دون نسيان المكون المغربي الذي يحملونه في قلوبهم، وهو حال مريم وحمان التي تشتغل اليوم كأخصائية نفسية في فانكوفر بمقاطعة كولومبيا البريطانية، والتي أكدت حضورها الدائم في جل الفعاليات التي تقام بكندا والتي لها علاقة بثقافة المملكة.
وقالت الأخصائية، التي مكنتها تجاربها في المغرب من التموقع السريع داخل المنظومة المهنية الكندية، ”صحيح أن الجالية المغربية تعد على رؤوس الأصابع في هاته المنطقة إلا أن إقامة بعض الملتقيات الثقافية والمهرجانات الاجتماعية ذات الأهداف الإنسانية المرتبطة بالمهاجرين تساهم بشكل كبير في تسهيل الالتقاء والاستفادة من تجارب الهجرة المختلفة، علاوة على نسج علاقات مع وطننا الأم”.
وأضافت أن البلد المضيف يوفر أيضا فرصا لاندماج مرن وسلس، ويعزى ذلك بالأساس إلى الأهمية التي يكتسيها ملف الهجرة في أجندات الحكومات المتعاقبة بكندا، لأن الهجرة تشكل الخزان الرئيسي لليد العاملة بالبلاد وتساهم بشكل قوي في النمو الاقتصادي.
وفي هذا السياق، أشار وزير الهجرة واللاجئين والمواطنة الفيدرالي، شون فرايزر، إلى أن البلاد تعتمد على المهاجرين بنسبة تصل إلى 100 في المائة لتحقيق نمو في اليد العاملة، موضحا أن كندا تراهن بحلول 2036 على أن تبلغ نسبة المهاجرين الجدد 30 في المائة من سكان البلاد، الذين يزيد عددهم قليلا عن 38 مليون نسمة.
وفي هذا الصدد، أكدت حسناء فرج، مهاجرة مغربية أخرى بكندا، أن ”الخدمات والبرامج المختلفة التي تقدمها كندا بشكل خاص للمهاجرين مثل برامج تعليم اللغة والاندماج” ساعدتها على أن تجد مكانا لها وسط الكنديين وتتألق في ميدان التمريض الذي كانت تمتهنه بالمغرب قبل أن تقرر الالتحاق بزوجها وتستقر بتورونتو، أكبر مدن كندا، التي تستحوذ على حصة الأسد من الوافدين الجدد بنسبة تبلغ 40 في المائة من مجمل المهاجرين.
(ومع)