مذكرات مولاي المهدي العلوي العلبة السوداء لحزبي الاتحاد الوطني والاتحاد الاشتراكي..  

* متابعة: جمال نيهرو

يعد مولاي المهدي العلوي من الشخصيات السياسية القليلة في بلادنا التي إختارت كتابة مذكراتها لتبقى شاهدة عما جرى في عدد من المحطات من ماضيه النضالي والسياسي من خلال الوقوف عند احداث سياسية بعينها عاشها طيلة حياته المليئة.  وقد مكنه مساره المهني كديبلوماسي وكفاعل سياسي بأن يكون في قلب الحدث وقريب من صناع القرار ببلادنا وقناة يتم من خلالها تصريف رسائل بين القصر والمعارضة في فترة زاخرة بالاحداث والصراعات التي كانت تحبك في السر والعلن والتي طالها النسيان أو دفنت تفاصيلها مع أصحابها أو تم تزييف حقائقها. وبالتالي فإن مذكرات المهدي العلوي يمكن اعتبارها وثيقة تاريخية يعتد بها لمعرفة ما جرى في مرحلة من تاريخ المغرب المعاصر.

ومن هنا، تشكل مذكرات مولاي المهدي العلوي، التي اختار لها كعنوان “أحداث ومواقف” الصادرة عن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير التي يترأسها الاتحادي مصطفى الكثيري، مرآت تعكس العديد من الأحداث التي ساهم في صنعها أو عايش صانعيها عن قرب حيث قام بجمع شمل هذه المحطات لكي لاتنسى أو تدفن مع أصحابها كما جرى مع العديد من الرجالات الذين لعبوا أدوارا هامة في فترة لازال يكتنف أحداثها الكثير من الغموض، لاسيما وأن الذين عايشوها منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر مفضلا الصمت بذل البوح بها وكأنها من المحرمات التي لا يجب النبش في تفاصيلها ولو للحقيقة والتاريخ، ولكي تطلع عليها الأجيال اللاحقة.
وفي تقديم المندوب السامي مصطفى الكتيري للكتاب يقول:”… تتعدى هذه المذكرات مستوى السيرة الذاتية، لترقى إلى وثيقة تاريخية بالغة الأهمية… فالسرد هنا يخلق حالة جمعية تشاركية فريدة، تقدم فيها الشخصيات و الأحداث و الوقائع و الشهادات على درجة واحد من الأهمية… إنه يسوق لنا الكثير من الأحداث  و الوقائع و الروايات و الشهادات كما هي… يعرض أمامنا الوقائع و الأحداث مجردة كما هي… إنه سرد لحقيقة ما جرى…فمتنه يعد وصفة منضبطة وواعية، فيها الكثير من الاتزان و النقد الموضوعي…”.
لكن مذكرات مولاي المهدي العلوي لم تخل من مواقف وأحداث حيث وجه سهامه لمجموعة من الهيئات الحزبية والسياسية والنقابية التي كان شاهدا على أحداثها وعلى مواقف الشخصيات التي لعبت أدوارا بارزة في صنعها.

* عن حزب الاستقلال و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب

ففي محور “تجاذبات بين تيارين” قال  المهدي العلوي “عندما كنا نعود إلى المغرب في العطل، كنا نتصل بالقيادات الحزبية و بالمناضلين فكان يبدو لنا أن الحزب موحدا، بينما كانت هناك، في العمق، تجاذبات بين تيارين داخل حزب الاستقلال: تيار يريد الاستحواذ الدائم على المسؤوليات في الأجهزة الحزبية، و تيار يطمح إلى ترسيخ ثقافة سياسية أخرى، بدل ترسيخ سيطرة الحزب الوحيد، و حين جهر بموقفه تعرض أصحابه للمضايقات و الإقصاء، مما أدى إلى دعوات لتصحيح الحزب و تصفيته من العناصر الانتهازية، الأمر الذي أسفر عن انتفاضة 25 يناير 1959..، فضلا عن تأسيس “الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال” يوم فاتح فبراير من نفس السنة..”

وأضاف “… و قد حازت الحركة التصحيحية، بسبب الانكماش الذي عاشه الحزب، تأييد مجموعة من الوطنيين الذين كانوا قبل ذلك أندادا وخصوما للاستقلاليين، و أعني بذلك الشوريين و الحركيين…”.
ويتذكر المهدي العلوي أنه في ليلة تشكيل الحكومة تمت دعوتهم من طرف الحاج أحمد بلافريج للاجتماع حول الموضوع، ولما طلب من عبد الله إبراهيم أن يهيئ نفسه لتولي وزارة الأنباء، أجابه هذا الأخير بأنه ليس مهيأ لذلك لكونه “لا يملك حتى حذاءا”، مفضلا البقاء في عمله مع المناضلين في الدار البيضاء وعلى الخصوص مع المحجوب بن الصديق الذي كان يحضر باسم التنظيم النقابي…

…وعن الاتحاد العام للشغالين يقول المهدي العلوي:”… لقد أقنع الملك الحسن الثاني المحجوب بن الصديق، الأمين العام للمركزية، بالقطيعة مع الاتحاد الوطني موظفا طموحه السياسي، إذ كان المحجوب يحلم بجعل النقابة القوية حزبا سياسيا له هامش كبير للمناورة…بعدها، و مضيفة الضغط إلى الإغراء، أنشأت الحكومة مركزية نقابية منافسة هي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الذي لاوجود له خارج ميناء الدار البيضاء، و الذي يكفي لخلق ما يلزم من المتاعب للمحجوب قصد تقليص هامش مناورته”…
….وأشار إلى أنه”من المفارقات الدالة على تعاظم الأزمة النقابية استوزار محمد الدويري، مؤسس نقابة الاتحاد العام للشغالين، في الحكومة الجديدة( حكومة محمد الخامس-الحسن الثاني، بعد إقالة حكومة عبدالله إبراهيم)، مقابل الاعتراف بالنقابة الجديدة، حيث سيجالس وفد الاتحاد المغربي للشغل، برئاسة نائب الكاتب العام محمد عبد الرزاق، المستشار الملكي أحمد رضا كديرة، لإلغاء الإضراب الذي كان من المزمع تنظيمه في 20 دجنبر 1961”.  وذلك رغم التحضير والتنسيق الكبيرين اللذين جريا بين الحزب والنقابة.

مبرزا أن تنفيذ الإضراب كان هو الضربة القاصمة لتلك الصفقة التي تمت بين النقابة والمستشار الملكي…

*إلاتحاد الوطني للقوات الشعبية

وبخصوص تأسيس حزب “الاتحاد الوطني للقوات ااشعببة” أشار المهدي العلوي في مذكراته إلى أنه بعد انتهاء لقاءات ممثلي الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال وعناصر من حزب الشورى والاستقلال والحركة الشعبية تمت الدعوة إلى عقد مؤتمر تأسيسي بتاريخ 6 دجنبر 1959 تمخض عنه تأسيس “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، الذي كان مثار خوف ورعب بالنسبة لبعض الجهات على خلفية خطابه الطموح ونوعية رجالاته ورموزه الذين ساهموا مساهمة فعالة في الحركة الوطنية كقادة سياسيين ونقابيين ومقاومين مشهود لهم بالسبق  والريادة في الكفاح ضد المستعمر، أمثال المهدي بنبركة وعبد الهادي بوطالب والمحجوب بن الصديق والصنهاجي وبالتالي مثقفيه من مختلف المشارب والمستويات حيث تحول بالفعل إلى “حزب جماهيري ” مهاب الجانب…

وأضاف أن استمرار وضعية المراوحة التي فرضتها مواقف بن الصديق وغريمه بن بركة فيما تابعته من أجواء غير سليمة ميزت العلاقة بين الاثنين جعلت وفد المغرب إلى المؤتمر الأول للشعوب الأفرو-أسيوية، الذي احتضنته القاهرة في 27 دجنبر 1957، يحضر برأسين، أحدهما قاده المهدي بن بركة ضم عبد الهادي بوطالب والمهدي العلوي، والآخر تزعمه المحجوب بن الصديق، علما أن الوفدين يمثلان حزبا واحدا وبلدا واحدا، غير أن أحدهما تجنب الآخر لتترك بذلك أجواء الجفاء التام،  الذي قاد إلى القطيعة، بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في 21 ماي 1960، ومحاولة ولي العهد تكوين حكومة تجمع مختلف الأطياف السياسية لمحاصرة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وأضاف أن قرار الإقالة كان وجه من وجوه الصراع الذي كان على أشده بين الاتحاد الوطني، الذي حاز على رصيد شعبي هائل في الانتخابات المحلية والجهوية لتلك السنة، وبين الأمير مولاي الحسن الذي كان يسعى لتثبيت حكمه أمام تزايد قوة الاتحاديين.
يقول المهدي العلوي حول صياغة دستور 1962 “وقد تابعنا كيف انتهت لجنة صياغة الدستور، التي تشكلت من ممثلين عن الأحزاب السياسية والتي فاز برأستها في أول اجتماع لها الأستاذ علال الفاسي في غياب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الفشل بعد انسحاب المحجوبي أحرضان، وكأننا إزاء مسرحية لم تكتمل فصولها، إلا بطرح الدستور للاستفتاء والتصويت عليه، وكان في الإمكان أن يتم الأمر بطريقة مغايرة تؤمن الحد الأدنى من التوافق حول وثيقة نعلم مسبقا أنها لن تكون بالمطلق سليمة من العيوب على غرار كل دساتير الدنيا، التي تتم مراجعتها بانتظام.
وأضاف “شهدنا في هذه المرحلة معركة داخل الحزب كان يقودها المحجوب بن الصديق الذي قبل المشاركة في الاستفتاء على الدستور، في الوقت الذي كان يعتقد فيه بعضنا غير ذلك، مع أن القرار الأخير كان هو الاتفاق على عدم المشاركة من خلال تصريح منشور يفسر موقف الحزب حرره المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ويتضمن نبرة تتحدى موقف بن الصديق.
وفي هذا السياق يستشهد المهدي العلوي بالمؤرخة الفرنسية “سيمون لاكوتيير”، التي أشارت في مقال بالعدد التاسع من شهرية “ليفينمون سنة 1966″، “إلى أن الحسن الثاني شارك شخصيا في صياغة نص الدستور بمعية المقربين منه، وأن الأمر لا يتعلق بدستور أعده مجلس تأسيسي منتخب، بل بنص ممنوح طرح للاستفتاء الشعبي عليه في نونبر 1962”.
ومن هنا شدد المهدي العلوي على أن الاتحاد الوطني قرر إذن مقاطعة الاستفتاء ومع ذلك تم التصويت بنعم على الدستور الذي نص على أن الإسلام دين الدولة، وعلى أن الملك يحمل صفة “أمير المؤمنين” التقليدية، وهو ما يخول له أن يجمع بين يديه جميع السلط،  بما في ذلك سلطة حل البرلمان.

* تعذيب عمر بجلون في أقبية الاتحاد المغربي للشغل

وأشار المهدي العلوي بأن تنفيذ إضراب، 20 دجنبر 1961، تم بعد أن رفضت جامعة موظفي وعمال البريد الامتثال لقرار قيادة الاتحاد المنادية بإيقاف الإضراب، ليختطف عمر بن جلون من طرف الجهاز النقابي، ويتعرض للتعذيب بسبب موقفه، وهو الحدث الذي سيخيم على أجواء المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

وأضاف “لم تكتف عصابة المحجوب بمنع عمر بنجلون  من الدخول كمؤتمر إلى قاعة المؤتمر، بل اعتقلته و اعتدت عليه ذلك اليوم(يناير 1963) و هو ما تبينه الرسالة التي وجهها عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق.. وفي ما يلي نص الرسالة:

“الأخ المحجوب، الكاتب الغام للاتحاد المغربي للشغل

للمرة الثانية، يتم اختطافي و تعذيبي في أحد الأقبية… لايمكن أن نعزل ماوقع لي عن الأحداث التي وقعت لك( أنت و مساعديك) مع فيدرالية البريد، منذ 25 دجنبر، تاريخ انتخاب 8 مندوبين من البريديين بالرباط للمؤتمر ( و من بينهم أنا)…وجه إليكم المكتب الفيدرالي و المكتب المحلي للرباط وسلا وفودا و رسائل و برقيات تعبر كلها عن تشبثها بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين إلى المؤتمر. كل المندوبين القادمين من كل الفروع اجتمعوا يوم الجمعة… و قرروا بالاجماع رفض تعيين المركزية للمندوبين و البقاء متضامنين مع الإخوة المنتخبين، خاصة معي…و كان ٱخر وفد معين قد عقد لقاء مع ممثلي المركزية(بينهم عبدالرزاق، عواب و عمور) و أخبر الوفد أنه فيما يخصني حتى و إن كنت مندوبا، فإنني لن أدخل المؤتمر … و قرر اجتماعنا الذي عقد بعد ذلك في العاشرة ليلا، بأن البريديين مجتمعين سيتوجهون إلى المؤتمر، و سيتحاشون الرد على أي استفزاز، و ينتظرون حتى يتم قبولهم…

أوقفت سيارتي بشارع الجيش الملكي و مررت أمام قاعة الأفراح(دون أن أسير حتى فوق الرصيف). و عند عودتي إلى سيارتي، وجهت التحية للأخ عمروق و هو بريدي متفرغ بالمركزية، بدأ يتهمني ب”التٱمر” و ” التشويش”… و صفع الأخ بلمليح. كان رد فعلي الوحيد، هو أنني أخذت الأخ بلمليح إلى السيارة عندما تلقيت عدة لكمات من طرف عنصر كان متواجدا جدا بجانب عمور( كاتب نقابة البتروليين، الذي تمت ترقيته الٱن إلى عضوية المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل). و بينما كنت أتعرض للاستفزاز( و هو اختصاص يتقنه عمور) واصلت طريقي دون أن أرد بأي فعل. و من بين الحاضرين تعرفت، إلى جانب عمور و عمروق، على عواب(الشبيبة العمالية)، المديوني( القطاع الخاص) و بوشعيب الريفي(الضمان الاجتماعي). و لكن العنصر الذي هاجمني في المرة الأولى التحق بي مجددا و جرى نحو عمور…و في هذه اللحظة بالذات، صدر الأمر بصوت مرتفع”أمسكوه”، حملتني عصابة من 6 إلى 7 عناصر نحو أقبية قاعة الأفراح، … بعد حوالي عشرين دقيقة، و تحت إشراف شخص يدعى قويدر، تعرضت لمدة نصف ساعة للضرب بالأيدي و الأرجل في جميع أطراف جسدي. كانت العملية تتوخى إجباري على الاعتراف بأنني أنتمي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب. و أمام إصراري، تم تقطيع ملابسي بٱلة حادة، و في نفس الوقت كنت أتعرض للتهديد بتشويه وجهي… تم اقتيادي إلى عمق القبو… تلتها حصة أخرى من الضرب كانت قصيرة… حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، حضر مسؤول نقابي صحبة اثنين من بين الحراس الذين ضربوني، و أوضح لي أنه لولا تدخل المسؤولين، لتم اختطافي… و أضاف أن العمال لا يعرفون لا البصري و لا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بل يعرفون فقط المحجوب و ما يقرره… حوالي الثامنة و النصف ليلا…انطلقت حصة من اللكم و الرفس و الضرب بالهراوات… تمت سرقة نقودي و كذلك ساعتي… بعد عشر دقائق تم اقتيادي أمام القبو، و نصحوني بعدم التحرك… جميع رفاقي في البريد، قدموا للطبقة العاملة و للمندوبين الأجانب كعناصر استفزازية تابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، و للشرطة كعناصر موجهة من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية… عنف لا إسم له مع حياد متواطيء من الشرطة ثم السب البديء، و أخيرا السب الرسمي من طرفك أنت من منصة المؤتمر ضد فيدرالية البريد و الحركات التقدمية في هذا البلد(و خاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)، الذي تنتمي أنت و نائبك عبدالرزاق لأمانته العامة… هذا العنف الذي مورس ضد البريديين ذنبهم الوحيد أنهم ظلوا متشبتين بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين… أود أن أنبه أنني أفضل عدم الرد على مزاعمك …”.
يعلق المهدي العلوي:” لم يكتف رجال المححوب بن الصديق بمنع عمر كمؤتمر من الدخول إلى قاعة المؤتمر، بل اعتقلوه و اعتدوا عليه ذلك اليوم”.

* المحجوب بن الصديق

وفي المحور الرابع من مذكراته وجه المهدي العلوي سهامه للنقابي المحجوب بن الصديق الأمين العام السابق للاتحاد المغربي للشغل حيث ذكر بأنه تعرف على المحجوب أول مرة في باريس عندما غادر السجن في سنة 1954 بعد ثلاث سنوات من الاعتقال إثر أحداث الدار البيضاء التي أعقبت مظاهرات التضامن مع الحركة النقابية التونسية بعد اغتيال فرحات حشاد على يد “اليد الحمراء” الفرنسية مما أدى إلى انطلاق مظاهرات استشهد فيها مئات المغاربة وأوقفت فيها الصحف الوطنية واعتقل فيها قادة الأحزاب الوطنية مع آلاف المواطنين، هذه المظاهرات التي قال إن عبد الرحيم بوعبيد كان قد نادى إليها عبر بيان ساهم في توزيعه، وحمل توقيعه الشخصي ومقر سكناه بالمدينة.
وأشار إلى أن المحجوب قدم إلى فرنسا ليعلن عن تأسيس الاتحاد المغربي للشغل خلال لقاء مع الصحافة ساعده شخصيا على تنظيمه بناء على طلبه….

وأضاف المهدي بأن عدة لقاءات جمعته ببن الصديق تحدث خلالها عن وضعية الحزب وعن مساره ليقول له وقتها عبارة مفادها إن “رجال الحزب يرغبون في استغلال الحركة النقابية ليصلوا إلى سدة الحكم”.
وشدد المهدي على أنه بعد فترة وجيزة من انعقاد لقاء باريس، تم عقد المؤتمر التأسيسي للمنظمة النقابية في الدار البيضاء يوم 20 مارس 1955، في منزل رئيس اللجنة التحضيرية الطيب بن بوعزة بمشاركة 57 مناضل نقابي مغربي من الذين سبق لهم أن نشطوا في فروع المركزيات النقابية الفرنسية التي كانت موجودة في المغرب. وقد صوت المؤتمرون على أعضاء اللجنة الإدارية، ثم أعضاء المكتب الوطني، فانتخب الطيب بن بوعزة أمينا عاما والمحجوب بن الصديق نائبا له. وقد اعتبر الأمين العام هذا اليوم “صفحة مجيدة من تاريخ الحركة النقابية”.
لكن المهدي العلوي شدد على أن الواقع كان غير ذلك، على خلفية انتقاد بن الصديق لقرار اللجنة الإدارية مؤكدا أحقيته بمنصب الأمين العام بدعوى علاقاته الخارجية، فاضطرت اللجنة الإدارية إلى عرض الأمر على المؤتمرين الذين زكوا الطيب بن بوعزة من جديد في منصب الأمين العام بأغلبية ساحقة.
لذلك يقول المهدي إن المحجوب بن الصديق عمد إلى تغيير النتيجة بعد تكليفه بإرسال التقرير إلى وكالة الأخبار الدولية، التي نشرت في اليوم الموالي أن المحجوب بن الصديق هو الأمين العام عوض الطيب بن بوعزة، وهو ما أدى إلى اندلاع موجة غضب في أوساط النقابيين الذين انتخبوا أمينهم العام في جو حر وديمقراطي.
وأوضح المهدي العلوي أنه بعد الضجة القوية  التي نتجت عن تزوير إرادة المؤتمرين لجأ المحجوب إلى “أسلوب الابتزاز، مهددا بفضح المؤتمرين لدى سلطات الحماية إن لم يغلقوا ملف الأمانة العامة”.

* التيار النقابي في المؤتمر الخامس للاتحاد الاشتراكي

يقول مولاي المهدي العلوي في مذكراته عن “التيار النقابي في المؤتمر الخامس” للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن رفض قيادة الحزب لظروف الاستثناء التي تم طرحها للتمديد للبرلمان ما بين سنة 1986 و1992، كانت فرصة لجزء من النظام كي يجهز على الأداة الحزبية القوية والملتف حينها حول قيادتها من خلال المناورات التي تصاعدت وتيرتها ضد شخص الكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد وضد أعضاء المكتب السياسي ويحركها في الخارج الفقيه محمد البصري، بينما أشعل فتيلها داخل جنبات قاعة المؤتمر الخامس في مارس 1989 محمد نوبير الأموي.

مضيفا أن النوايا السيئة للفصيل النقابي بزعامة الأموي قد اتضحت بدءا من الإنزال الذي أخل بالتوازن في المؤتمر، وهو ما خلق جوا من المبارزة التي اتسمت بالحدة في بعض أطوار المؤتمر أدت إلى صدام بين عبد الرحيم بوعبيد، الذي وجد نفسه في زاوية ضيقة أعادت الأدهان إلى الصراعات التي كان يفتعلها المحجوب بن الصديق لإمالة الكفة لصالحه…
مؤكدا أنه مع بداية المؤتمر برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، الذي عاد حينها لتوه من المنفى، كان في الجلسة العامة بمعية الدكتور محمد لحبابي، وإذا بأحد الأخوة طلب منهما الالتحاق باجتماع طاريء للمكتب السياسي في إحدى الغرف المجاورة لمناقشة أزمة أختلقها الأموي حول شروط العضوية في لجنة الترشيحات ورفضه لأسماء بعينها، أهمها اسم المرحوم مصطفى الرشاوي.
مؤكدا على أن الأزمة التي أفتعلها الأموي في المؤتمر الخامس للاتحاد الاشتراكي لم تكن في العمق أزمة تنظيمية كما تم التسويق لها، بل كانت خلافا حول استراتيجية النضال الديمقراطي التي تبناها الحزب في المؤتمر الاستثنائي. كما أن نوبير الأموي، وهذا ما تأكد في الكثير من المحطات الأخرى اللاحقة، لم يستطع مواجهة الخط السياسي المرحلي الذي يسير عليه الاتحاد، وهو خط المشاركة في المؤسسات وتغييرها من الداخل، والحوار والتعاون مع الأحزاب الديمقراطية الأخرى، فأصبح الهاجس عنده هو التحكم في الجهاز الحزبي ليصبح الاتحاد الاشتراكي أداة بيد قيادة الكونفدرالية للشغل، وفي ذلك إحياء للخطة التي كان ينتهجها المحجوب بن الصديق بالنسبة إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الستينات من القرن الماضي.
وأشار المهدي العلوي إلى أن الأموي كان على اتصال بالفقيه محمد البصري الذي سبق أن أسس تيار “الاختيار الثوري” في الخارج، وانتهى بطرده منه من طرف مجموعة إبراهيم أوشلح.
مضيفا إلى أن الأموي كان يطمح في العمق إلى تكرار تجربة “النقابة ضد الحزب، وذلك بجعل المركزية النقابية الكدش هي محرك الحزب، وبدايته ومنتهاه وليس العكس، مما يقدم الدليل على أن فكرة “الزعامة” و”الاستحواذ” هي التي كانت تحرك الأمين العام للنقابة، وهو المنحى الذي عززته المحطات اللاحقة في تاريخ الحزب والنقابة معا.

*اليوسفي والحسن الثاني

عن هذه المحطة، يقول مولاي المهدي العلوي في مذكراته ” بعد عودتي إلى البلاد إثر انتهاء مهامي في هولاندا، استأنفت أنشطتي،  محافظا على علاقاتي الودية مع إخواني في قيادة الاتحاد الاشتراكي، ومتابعا للحظات الشد والجذب بين الحزب ونظام الحكم، التي كانت قد تراجعت حدتها منذ اتضاح نوايا الحسن الثاني بالتحضير لمرحلة التناوب، التي توجت بقيادة عبد الرحمان اليوسفي للحكومة في عام 1998″.
مضيفا ” كانت قد سبقت هذه المرحلة اتصالات مع عدد من القيادات السياسية في البلاد وخارجها، حيث أذكر أنه حدث أن كنت في القصر الملكي في الصخيرات، في مناسبة من المناسبات، فطلب مني الحسن الثاني، رحمه الله، السير معه في حديقة المسبح، ليأمرني بأن أحمل رسالة إلى الأخ اليوسفي بعد علمه بالاتصالات التي جرت بينه وبين الأمير مولاي هشام”.

مشيرا إلى أن الحسن الثاني قال له: “قل لليوسفي بأن لديه هاتفي ويمكنه الاتصال بي متى شاء، وإذا كان يعتزم لقائي، فعليه أن يخبر أصدقاءه بذلك لأن مثل هذه الأخبار تنتشر بسهولة!!”. وأضاف الملك”قل له يخلي أولادنا بعاد على هاذ الخنز ديالنا! !”.وأكد المهدي العلوي أن لقاءه مع الحسن الثاني شكل فرصة لفتح الملك في أمر النقابي الأموي، الذي كان معتقلا حينها، وقلت له إن تصريحاته لا تلزم الحزب، فقد كانت بمبادرة منه، وهو بذلك يبحث عن “شعبية” لا يستحقها، وليس من الصواب أن تمنح له، لأن ذلك لن يكون في مصلحة الدولة ولا في مصلحة الحزب.
مضيفا بأنه قال للحسن الثاني بذات المناسبة: “إن ما يقال عن وقوف اليازغي ضد الملكية غير صحيح”، فكان جوابه: “انت لا تعرف تاريخ +اليازغة+ مع الملكية”، وكان يشير إلى علاقة هذه العائلة مع السلطان مولاي حفيظ.
وقال المهدي العلوي أن “بعد عودته إلى بيته  اتصل به إدريس البصري طالبا معرفة مادار بينه وبين الملك الحسن الثاني. فكان جوابه بأن هذا الأمر لا يمكن تداوله في الهاتف، وعليه أن ينتظر حتى أقدم عليه في مكتبه لأخبره فقط بالشق المتعلق بحديثي مع الملك عن نوبير الأموي، في المساء نفسه،  ذهبت إلى الدار البيضاء للقاء عبد الرحمان اليوسفي، الذي استقبل رسالة الملك بانشراح مشددا على أن اليوسفي أكد له بقوله: “أهنيء نفسي لأن الملك اختارك أنت لتقول لي انت هذا الكلام”….

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.